?هُوَ أَعْلَمُ بكم إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَةٌ فِي بُطُونِ أُمَهَاتِكُمْ?
[النجم: 32].
فالإنسان مرتبط في عمله بمادة خلقه.
فإن لطبيعة الأرض وعمل الإنسان علاقة مباشرة؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم من جميع الأرض؛ فمنه السهل والحَزَن الأبيض والأسود» ([38]).
وأما من حيث الشهادة على العمل: ففيها الحديث الذي رواه أبو هريرة حيث قال قرأ رسول الله هذه الآية: ? يومئذ تحدث أخبارها ? قال: «أتدرون ما أخبارها؟» قالوا: الله رسوله أعلم قال: «فإن من أخبارها أن تشهد ([39]) على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها؛ تقول: عمل كذا يوم كذا وكذا, فهذه أخبارها» لذا لزم أن تتابع الأرض عمل الإنسان حيث تشهد عليه.
فلزم كذلك أن تختم على الإنسان عمله؛ لأنه موضوع شهادتها.
ولكن الأرض لا تستطيع ختم العمل وهي في صورتها التي هي عليها؛ فحينئذ يبدأ ظهور الدابة كصورة جديدة للأرض, لتتمم الختم ..
ولتكون علامة الدابة المتولدة من الأرض؛ لتحكم عليهم وتختم على أعمالهم، وختم الأرض على أعمال العباد أثر مقابل لأثر الإنسان في الأرض، على مدى عمر الإنسان فوقها ..
ومن أمثلة هذا الأثر .. الزلازل التي تكون بسبب الزنا كما قال صلى الله عليه وسلم: «يرفع العلم، ويفشو الجهل، ويشرب الخمر، ويكثر الزنا والزلازل».
والدقة في الأعمال الواردة تكشف أنها اضطراب في وجود الإنسان: رفع العلم .. وفشو الجهل: الذي تغيب به الأحكام الضابطة لحركة الإنسان فيكون الاضطراب.
وشرب الخمر والزنا: الذي يكون به اضطراب الأنساب.
فكان اضطراب الأرض بالزلازل جزاءً على اضطراب النسب بالزنا.
ومن أجل العلاقة بين الإنسان والأرض كان خروج الدابة باعتبار عمل الإنسان، فكان الخروج من سدوم .. من مواقع أشر العمل.
والخروج من بين الصفا والمروة .. من مواقع أخير العمل.
والعلاقة بين الأرض وعمل الإنسان دليلها قول الله عز وجل: ? إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ اْلَمغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأرْضِ وَإذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أَمَّهَاتِكُمْ ? [النجم: 32].
وفي هذه الآية ذكر الله مع علاقة الأرض بالإنسان علاقة أخرى وهى الوراثة التي تبدأ في بطون الأمهات: ?وَإذْ أنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أَمَّهَاتِكُمْ ?.
والوراثة ترجع إلى آدم .. وهو أصل الوراثة.
ومن هنا أصبح يحكم عمل الإنسان مادة الخلق .. وهي الأرض، وأصل الخلق .. وهو آدم.
وكما ينتهي حكم الأرض على عمل الإنسان بالختم .. فيبقى لحكم آدم -كأصل الوراثة- على عمل الإنسان نهاية توازي الختم وهي بعث أهل الجنة والنار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول من يُدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرجْ من كل مائة تسعة وتسعين» ([40]).
([1]) أخرجه أحمد (2/ 295) (7924) وابن ماجة (4066) والتِّرمِذي وقال: «وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِى دَابَّةِ الأَرْضِ ... وَفِيهِ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ. كما أخرجه البيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاري والحاكم وصححه، ورواه ابن جرير وأبو داود الطيالسي ونعيم بن حماد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وعبد بن حميد.
وفي التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 904) قال: رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة بإسناد حسن.
قال الألوسي: وهذا الخبر أقرب الأخبار المذكورة في الدابة للقبول. وما ورد في صفتها ومكان خروجها وما تصنعه ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف. وأما كونها تخرج، وكونها من علامات الساعة، فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة. ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعًا: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات» وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة، وكحديث: «بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة» فإنه في صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وكحديث ابن عمر مرفوعًا: «إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى» فإنه في صحيح مسلم أيضًا.
¥