تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اقتراح للاقتصاد في التشكيل الكامل للكتابة العربية]

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 10:01 م]ـ

تمتاز الكِتابة العَرَبيّة بأقصى دَرَجة من الدِقّة في ضَبط الألفاظ مما لا يمكِن أن نجِد له مَثيلا في مُعظَم لُغات العالَم المَكتوبة. ويرجِع السَبَب في ذلك إلى تَوَفُّر رَمز كِتابيّ لكلّ صَوت من أصوات الكَلام سَواء منها الصَوامِت والحَرَكات. ومع أنّ العَرَب لم يكونوا يعبأون في بِداية عَصر التَدوين بإثبات رُموز للحَرَكات القَصيرة، لاعتِمادهم على السَليقة اللغَويّة التي تهديهم إلى الوَجه الصَحيح من وُجوه ضَبط الكَلام، إلا أنّهم اضطُرّوا إلى إضافة هذه الحَرَكات بعدما فَسَدت سَلائقهم نَتيجة لاتِساع نِطاق الدَولة الإسلاميّة واشتِمالها على أُمَم لم يكن لِسانها في الأصل العَرَبيّة، وكان أن وُضِعت رُموز لهذه الحَرَكات ابتَدأت بنَقط أبي الأسود الدؤَليّ للمُصحَف، نَقط إعراب، ثم اكتَمَلت بعلامات التَشكيل الثَمانية التي ابتَكرها الخَليل بن أحمد.

ونحن في لُغَتنا اليَوميّة، وفيما يُسَمّى بلُغة الصَحافة، لا نحتاج إلى عَلامات التَشكيل إلا في القَليل النادر. وعلى نَحو من ذلك كان العَرَب في الجاهِليّة وأوّل الإسلام في غِنى أيضا عن هذه العَلامات وعن عَدَد آخَر من الأحرُف التي ترمِز لأصوات العِلّة الطَويلة؛ بل وحتّى عن نُقَط الإعجام التي تتَمَيّر بها بَعض الحُروف من بَعض، كالباء عن الياء عن التاء عن الثاء ونَحو ذلك من الحُروف المُتَشابهة؛ مما كان يجعل الكتابة في ذلك الزَمان أقرَب شَيء إلى الإختِزال.

ولكنّنا اليَوم لسنا كالأوائل سَليقة، كما وأن الأُلفة بأنواع أخرى من الكِتابة ليست كالأُلفة بالكِتابة الصَحَفيّة، ولذلك فنحن في حاجة إلى قَدر من عَلامات التَشكيل التي تزيل غُموض المَعنى في مِثل هذه الأنواع من الكِتابة العِلميّة والأدَبيّة، وفي الوَقت نَفسه لا تثقل النَصّ المَكتوب والمُزَركَش بعَدَد من هذه العَلامات.

ولتَحقيق هذا الهَدَف اقتَرَح بَعضهم فِكرة التَشكيل الجُزئيّ للكَلِمة بحيث يأمَن القارئ اللَبس في نُطقها ومن ثمّ في فَهم مَعناها، ولكنّ هذا التَشكيل الجُزئيّ لم يكن مَبنيّا على قَواعِد عامّة مَعروفة، وبَدَلا من ذلك فقد ظَلّ مَتروكا للكاتِب وَحده لكي يقَرّر بنَفسه نَوعيّة وقُدُرات الجُمهور الذي يقرأ له على فَهم مَضمون كَلامه.

وقد بَدا لي أنّ في الإمكان تَحقيق الغاية القُصوى من أمن اللَبس في نُطق الكَلِمة وفَهم مَعناها من خِلال تَشكيل جُزئيّ يعمَل عَمَل التَشكيل الكامِل وخاصّة إذا ما تَمّ الاعتِماد على فَهم خَصائِص الأصوات اللُغَويّة ومَعرِفة عَلاقتها مع بَعضها البَعض، ومن ثمّ استِثمار هذه المَعرِفة وذلك الفَهم في تَحقيق مَبدأ الاقتِصاد في استِخدام عَلامات التَشكيل والاقتِصار منها على ما من شأنه أن يعطي وُجوها مُتَباينة من القِراءة لو تُرِك الحَرف خَلوا منه.

وعَلامات التَشكيل التي سنعمَل على تَقليل استِخدامها إلى حَدّه الأدني هي الفَتحة والكَسرة والضَمّة والسُكون والشَدّة والمَدّة وعَلامة الصِلة والهَمزة. وهنا يجِب التَنبيه إلى أنّ الشَدّة والهَمزة لا يمكن الاستِغناء عنهما في النِظام الكِتابيّ؛ لأنّهما تدُلان على حُروف بأعيانها، وليستا عَلامات تَلحَق بحُروف دون حُروف. فالفِعل الثُلاثيّ (كَسَر) يصبِح رُباعيّا إذا وُضِعت الشَدّة على السين هكذا: (كَسّر) بينما يبقى ثُلاثيا سَواء كانت الكاف مُشَكَّلة بالفَتح أو بالسُكون. غَير أنّنا يجِب أن نتَنَبَّه إلى أنّ تلك الشَدّة التي يثبِتونها على الحَرف التالي للام التَعريف حين يكون من الحُروف الشَمسيّة يُعتَبَر من قَبيل الخَطأ لأنّ فيه زِيادة حَرف غير لازِم، ويُغني عنها أن نلتَفِت إلى مُراعاة ظاهِرة الإدغام. وأما بالنِسبة للهَمزة، وهي رأس العَين التي تدُلّ على الحَرف الذي لم يكن له في بَعض المَواضِع من الكَلِمة رَمز مُعَيّن يخُصّه وَحده، فإنّ بَقاءها ضَروري للتَفرِقة بَينها وبَين ألِف المَدّ أو ألِف الوَصل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير