المختصين عليها!
وجانب آخر مثير للقلق أيضاً وهو الوضع الحالي للمناهج الدراسية، فالمتأمل لهذه المناهج يستطيع وبسهولة أن يكتشف أنها صممت وألفت أصلاً دون أن تربط بالمكتبة ومصادرها المختلفة، فالطالب لا يلزم –بل لا يطلب منه أصلاً- استخدام المكتبة، كما أن النظام والمنهج لا يساعدان الأستاذ على القيام بذلك حتى لو رغب، وهذا يعني الاستمرار في القطيعة بين المنهج والمكتبة مما يترتب عليه تولد الرهبة من المكتبة لدى الطالب.
ولا بد أن نعلم هنا أن هذا النوع من الرهبة ربما يكبر بسبب الإهمال حتى يكون في القادم من الأيام -حين يكون استخدام المكتبة ومصادر المعلومات المختلفة ضرورة لا مهرب منها- عائقاً حقيقياً يمنع الطلاب من مجرد التفكير في اللجوء إلى المكتبة فضلاً عن استخدامها فعلاً، كما أن الوفرة الكبيرة في المعلومات ومصادرها أو ما يسمى بانفجار المعلومات وكذلك اتجاه كثير من المكتبات إلى استخدام التقنية في تقديم خدماتها وإثراء مصادرها -خاصة الأكاديمية والمتخصصة منها- أمر يزيد الضغط على مستخدمي المكتبة ويزيد من ترددهم وحيرتهم عند الحاجة لاستخدامها.
إن أخذ ما سبق بعين الاعتبار وتصور أهمية المكتبة وموقعها من العملية التعليمية وأنه بدونها لا يمكن أن نوجد نظاماً تعليمياً مثالياً يتاح فيه للطالب تعلم مهارات البحث فيها وفي غيرها من المصادر الأخرى الحديثة للمعلومات كجزء لا يتجزأ من المقررات الدراسية؛ فإننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام أعداد مهولة من الخريجين الذين يتصفون بانعدام الإبداع فيما يناط بهم من أعمال وهم قادرون فقط على التنفيذ الحرفي لما يطلب منهم وهو ما يتعارض تماماً مع اتجاه سوق العمل إلى البحث عن الموظف بناء على مهارته وقدراته أولاً وقبل تأهيله العلمي.
إنه لا يمكن تجاهل مثل هذه المشكلة في المجتمع التعليمي هنا خاصة وأن المحيط العام الذي يعيشه الطالب في مراحل تعليمه المختلفة -خاصة مراحل التعليم العام- تجعله مهيأً بشكل كبير لالتقاط فيروس الرهبة من المكتبة ونقله إلى زملاءه من خلال تبادل الخبرات السلبية. إن المتتبع لأحوال الطلاب –وغيرهم من رواد المكتبات- عند استخدام المكتبة لابد أن تمر عليه بعض الصور التالية: طالب يتجنب استخدام الفهارس الآلية ويتجه لاستخدام الفهرس البطاقي مادام موجوداً، وآخر يرى أن نظام التصنيف وقراءته على الرفوف معقد جداً لهذا فهو يكتفي بما يقدمه المكتبي له من أوعية معلومات، أو يكتفي بالبحث في مصادر المعلومات الإلكترونية خوفاً من عدم قدرته على الحصول على ما يريد من على الرفوف، وثالث يطلب من أحد زملاءه الحضور إلى المكتبة معه والقيام بكل ما يلزم نيابة عنه لأنه باختصار لا يعرف كيف يقوم بذلك ويستصعب تعلمه.
إضافة إلى ما سبق فقد عايش كاتب هذه السطور ردود فعل بعض –وليس معظم لكي لا يكون متشائماً- طلابه في المستويات الجامعية الدنيا عندما يطلب منهم إنجاز مهمة بحث في المكتبة أو في أي مصدر معلومات إلكتروني. ردود الفعل تلك كانت سلبية جداً وهي تبيّن أن الطالب ببساطة لا يعرف كيف يقوم بهذه المهمة ويشعر أن نقل جبل من مكانه أهون عليه من إتمامها.
أما فيما يتعلق بكيفية التغلب على هذه المشكلة فإنه يمكن حلها بمزيج من الوسائل التي تشجع على استخدام المكتبة ومن ثم القضاء على رهبتها بين الطلاب، ومنها:
o توفير مكتبة متكاملة بشكلها الحديث الذي يجمع بين المصادر التقليدية وغير التقليدية في كل مدرسة في جميع مراحل التعليم العام.
o جعل استخدام المكتبة والرجوع إليها للحصول على المعلومات جزأً رئيساً في الهيكل التعليمي ككل وفي جميع المناهج والمقررات الدراسية، مع الحرص على أن يتزامن ذلك مع التدريب المناسب للطلاب على المهام التي تطلب منهم في كل مقرر.
o توفير مكتبي متخصص أو أكثر (حسب حاجة كل مكتبة) في كل مكتبة وتدريبه على التعامل المناسب مع كل نوع من أنواع الرواد وكيفية تدريبهم على استخدام المكتبة وإزالة الرهبة منها لديهم.
o الحرص على غرس محبة المكتبة لدى طلاب المراحل الأولى من صغار السن من خلال البرامج المناسبة لهم وتكثيف استخدامهم وزياراتهم لها.
o قيام المدرسين بزيارة المكتبة بشكل متكرر برفقة طلابهم ومساعدتهم في استخدام مصادرها بالتعاون مع المكتبي.
o توفير البرامج التدريبية على استخدام المكتبة التي تناسب كل مرحلة من المراحل الدراسية والمبادرة بتقديمها للطلاب بمجرد دخولهم للمدرسة وعدم الركون وانتظار حضورهم إلى المكتبة لتُقدم لهم.
o التركيز على تعليم الطلاب مهارات وخطوات عملية البحث التي يمكن لهم استخدامها في المواقف المختلفة من خلال التركيز على التسلسل المنطقي الذي يجب إتباعه في كل عملية بحث في المكتبة.
o أن يتخاطب المكتبي مع الطلاب بلغة بسيطة تبتعد عن اللغة و المصطلحات التخصصية التي قد لا تكون مفهومة لديهم.
o عرض الخدمات على الطلاب وعدم انتظار أسئلتهم التي قد لا يبادرون بها أبداً.
o وضع لوحات تدل على أقسام المكتبة وتجهيزاتها ومكوناتها وكيفية استخدامها والوصول إليها بشكل واضح وجذاب وبسيط.
o الإعلان عن كل جديد يضاف إلى المكتبة من أوعية معلومات أو تقنيات أو خدمات أو غيرها في مكان بارز في المدرسة وداخل المكتبة.
ختاماً فإن قائمة الحلول السابقة أوردت للتمثيل وليس لحصر جميع الوسائل التي تساعد على القضاء على الرهبة من المكتبة، كما أن الدراسات حول الحلول المناسبة للقضاء على هذه المشكلة لازالت قليلة مقارنة بالدراسات التي تصف وتشخص هذه المشكلة، لهذا فإن المجال لازال واسعاً رحباً لإبراز التجارب والخبرات الناجحة في هذا المجال
للدكتور: عبد العزيز ابراهيم العمران
قسم المكتبات والمعلومات بجامعة الملك سعود
http://www.rooad.com/vb/showthread.php?t=2389
¥