ووصف مصطفى أكيول أحد قياديي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، العملية بأنها «خطوة جريئة»، وقال في تصريح لصحيفة «الغارديان» البريطانية حول آلية عمل اللجنة «إن الهيئة المشرفة على مراجعة الحديث النبوي الشريف قد تعمد إلى وضع شروحات وهوامش توضح ضرورة فهم الحديث من منظور مختلف».
وتوقعت المصادر الغربية أن تثير هذه الخطوة جدلا واسعا في الأوساط الإسلامية، في تركيا وفي بقية الدول الإسلامية.
ولا يخفي القائمون على المشروع صعوبة ما يقومون به ويشددون على أن الهدف هو فصل القيم الجوهرية التي بشر بها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، عن الموروثات الثقافية والاجتماعية للشعوب المسلمة، إذ أن عناصر كثيرة من التقاليد الاجتماعية تسربت إلى النص الديني وباتت تعيق رؤيته وتكبل حركته.
ويقول غورميز: «نريد أن ننقل للعالم غير المسلم سماحة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، والذي يعزز الخصوصية الفردية وحقوق الإنسان والعدالة والقيم الأخلاقية وحقوق المرأة واحترام الآخر»، مضيفا أنه يجب ألا نتوقع تغييرات هائلة في مجالات تفصيلية محددة كالحجاب مثلا، فالعمل «دراسة أكاديمية .. ولن يكون محاولة لجعل الإسلام مسايرا لمفاهيم العالم الغربي».
إنه باختصار كما يقول أحد المحللين مشروع نموذجي لكي نفهم الدور الذي تقوم به تركيا العلمانية والتي يحكمها حزب إسلامي المنشأ بطريقة واقعية. ووضع الحديث النبوي أمام مفاهيم حديثة في مسائل تخص المرأة والأخلاق وعلاقة الإنسان بالطبيعة، يثير السؤال عما إذا كانت هذه الخطوة تلقى الاستجابة من مجتمعات ودول إسلامية أخرى، خصوصا أن تركيا لا يبدو أنها نسقت جهودها مع منظمات إسلامية ومرجعيات دينية عريقة في العالمين العربي والإسلامي.
وقد تزامن هذا المشروع الذي تناقلته وسائل الإعلام المختلفة أخيرا مع الإعلان عن مشروع آخر يصب في الاتجاه نفسه طرحه الكاتب الإسلامي المصري جمال البنا تحت اسم «مشروع الإحياء الإسلامي». وبين المشروعين عصب فكري مشترك، فالمشروع التركي والمتوقع الانتهاء منه هذا العام، يستهدف إيجاد تفسير جديد لتعاليم الإسلام. ويسعى مشروع البنا أيضا إلى تنقية السنة النبوية وضبطها والعمل بالأحاديث الصحيحة فقط، خاصة التي تتفق مع القرآن الكريم، وتخليص السنة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والعودة إلى القرآن الكريم ككتاب هداية واستبعاد كل التفاسير الغريبة لإثبات حقائق كانت تناسب عصرهم.
وفيما أثار المشروعان جدلا موسعا بين علماء الدين قال البنا في اتصال هاتفي لـ «الشرق الأوسط» إنه يرحب بالمشروع التركي ويصفه بأنه مشروع تجديدي يؤسس لفهم جديد لمعاني الأحاديث في سياق معطيات العصر, مؤكدا أن هذا المشروع يستند إلى أفكار بناءة يؤمن بها هو شخصيا. وأضاف البنا أن مشروع الإحياء الذي يتبناه يتطابق فى كثير من ركائزه مع الأفكار الأساسية للمشروع التركي لتنقية السنة وتطبيق مفهوم الإسلام الحديث، لافتا إلى أن مشروع الإحياء الإسلامي الذي يتبناه قد أخذ الآن شكلا منظما بالتعاون مع مجموعة من المفكرين والمثقفين المسلمين، بهدف العمل على إعادة تجديد الفكر الإسلامي، وضبط السنة بمعايير قرآنية، بخاصة أن أوضاع المسلمين تزداد الآن سوءا بسبب التمسك بأفكار قديمة. وفي تعليقه على المشروعين يقول الدكتور سيد عبد العزيز السيلي عميد أكاديمية فقهاء الشريعة بأميركا الأستاذ بجامعة الأزهر: إن الإسلام دين التجديد وإنه يحث المسلمين دائما على الاجتهاد والأخذ بكل جديد. لكن هذا التجديد يجب ألا يخرج عن اطار ثوابت الإسلام الأساسية. وأضاف السيلي: إن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم وهي جاءت شارحة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»، وبالتالي فإن الطعن في السنة هو طعن في القرآن.
وتابع السيلي بقوله: «إن الدعوة إلى تجديد فهم الإسلام وتنقية السنة النبوية ليست جديدة لكننا نريد ان نعرف الهدف والمقصد من وراء هذه المشروعات المطروحة الآن، هل هو غربلة السنة وتنقيتها من الأحاديث الموضوعة وكل ما هو دخيل وبيان صحيحها من سقيمها؟ فإن كان هذا هو الهدف فقد سبق أن قام بهذه المهمة علماء أفذاذ وتصدى الأقدمون والمحدثون لهذه المهمة، وتم وضع العديد من المصنفات وأمهات الكتب الصحاح في هذا الشأن، فضلا عن تأسيس أقسام لعلم الحديث فى كثير من الجامعات الإسلامية وفي مقدمتها جامعة الأزهر. وبالتالي فإن مثل هذه الموضوعات تكون قد قتلت بحثا وأصبح الحديث فيها لا يأتي صاحبه بجديد.
أما إن كان مقصد أصحاب هذه المشاريع حذف الأحاديث الصحيحة أو تأويلها تأويلا فاسدا وتشويه السنة النبوية والعبث بها لتطويعها لخدمة أهداف معينة فهذا يعد منزلقا خطيرا لا نوافق عليه». ويواصل الدكتور السيلي حديثه قائلا: «وفيما يخص التجديد الذي يقصده أصحاب هذه المشاريع خاصة ما يعبرون عنه بتجديد السنة لتتلاءم مع واقع هذا العصر، فإذا كانوا يقصدون تجديد تفسيرهم للحديث، أي تجديد المعنى وتوضيحه، فهذا جائز كأن يفسر معنى اللفظ بتفسير حديث بشرط ألا يختلف عن المعنى الأساسي الذي وضع له، أما أن يفسر الحديث عن طريق إخراج اللفظ عما وضع له بلا دليل فهذا يعد تأويلا فاسدا». ويخلص الدكتور السيلي إلى أن التفسير العصري الذي نرحب به يجب ألا يتعارض مع الثوابت لأن الدين الإسلامي جاء صالحا لكل زمان ومكان وأن الله عز وجل قد أتم رسالة الإسلام «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا».
وبهذا النص الحكيم ليس الإسلام بحاجة إلى إتمام أو تعديل في ثوابته، لكن الإسلام حث على مواصلة الاجتهاد والتجديد فى ضوء الثوابت الأساسية. وبالتالي فإن الدعوة تكون إلى تطبيق فقه العصر وفقه الواقع وفقه النوازل وليس لتجديد وتبديل ثوابت الدين لتطويعها لأغراض وأهواء الناس بحجة تجديد الدين ليتناسب مع روح العصر. فالشريعة الإسلامية من خصائصها الأساسية أنها تتميز بالمرونة وهذا ما يؤكد صلاحية الاسلام لكل عصر
http://www.islamfeqh.com/news.php?go=fullnews&newsid=235
¥