تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذاً الخطوة الرابعة الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح؛ وهذه من أهم خطوات الدراسة وبها يتميز الناقد البصير من غيره، ومن خلالها يتبين دقة نظر الباحث، وعمق معرفته بالعلل، ومنها يعرف فضل علم الأئمة المتقدمين وبراعتهم ودقتهم؛ فهناك قرائن وقواعد طبقها الأئمة للموازنة بين الروايات المعلة، قال ابن حجر: «والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن» (52)، وقال ابنُ عبد الهادي عَنْ قبول زيادة الثقة: «فيه خلاف مشهور؛ فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ومنهم من لا يقبلها؛ والصحيح التفصيل وهو أنها تُقبل في موضع؛ دون موضع فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: «من المسلمين» في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط؛ بل كل زيادة لها حكم يخصها؛ ففي موضع يجزم بصحتها .. وفي موضع يغلب على الظن صحتها .. وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة .. وفي موضع يغلب على الظن خطؤها .. وفي موضع يتوقف في الزيادة» (53).

وقال العلائيُّ - رحمة الله عليه -: «وأمَّا أئمةُ الحديثِ فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين، وهذه الطبقة، وكذلك من بعدهم كالبخاريّ، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأمثالهم، ثم الدارقطني والخليلي كلُّ هؤلاء يقتضي تصرفهم في الزيادة قبولاً وردّاً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث، ولا يحكمون في المسألة بحُكْمٍ كُليّ يعم جميعَ الأحاديث، وهذا هو الحق الصواب كما سنبينه إن شاء اللهُ - تعالى - .. » (54).

والأئمةُ يصرحون - أحياناً - بهذه القرائن والطرق، وأحياناً تفهم وتستنبط من صنيعهم؛ فمن تلك الطرق والقرائن (55):

1 - الترجيح بالحفظ والإتقان والضبط.

2 - الترجيح بالعدد والكثرة.

3 - سلوك الراوي للجادة والطريق المشهور.

4 - الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه.

5 - الترجيح باعتبار البلدان واتفاقها.

6 - الترجيح بالزيادة.

7 - عدمُ وجودِ الحديث في كتب الراوي الذي رُوي الحديث عنه.

8 - شهرة الحديث وانتشاره من طريق يدل على غلط من رواه من طريق آخر.

9 - وجود قصة في الخبر تدل على صحة الطريق.

10 - التفرد عَنْ إمام مشهور وله تلاميذ كثيرون.

11 - تحديثُ الراوي في مكان ليس معه كتبه.

12 - التحديث بنزول مع إمكانية العلو في السماع.

13 - عدم العلم برواية الراوي عمن روى عنه، أو عدم سماعه منه.

14 - إمكانية الجمع بين الروايات عند التساوي.

15 - رواية الراوي عَنْ أهل بيته.

16 - اختلاف المجالس وأوقات السماع.

17 - ورود الحديث بسلسلة إسناد لم يصح منها شيء.

18 - التحديث من كتاب.

19 - ضعف الراوي أو وهمه أو اضطرابه.

20 - مشابهة الحديث لحديث راوٍ ضعيف.

21 - أن يروي الرجل الحديثَ على وجهين: تارةً كذا، وتارةً كذا، ثم يجمعهما معاً؛ فهذا قرينة على صحتهما معاً.

22 - قبول الراوي للتلقين.

23 - ورود الحديث عَنْ راوٍ وقد ورد عنه ما يدل على خلافه موقوفاً.

24 - مخالفة الراوي لمَا روى سواء وُجِد اختلاف أو لم يوجد - على تفصيل في ذلك -.

25 - اضطراب إحدى الروايات.

26 - دلالة الرواية على الكذب.

27 - شهرة الراوي بأمر معين؛ كاختصار المتون، أو الإدراج فيها، أو الرواية بالمعنى، أو التصحيف في الألفاظ أو الأسماء، أو قصر الأسانيد، أو جمع الرواة حال الرواية.

والحق أنَّ قرائن الترجيح كثيرة لا تنحصر؛ فكلُّ حديثٍ له نقدٌ خاص. قال ابنُ حجر: «ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنّما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات، ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده» (56).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير