تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابنُ رجب: «قاعدةٌ مهمةٌ: حذّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم» (57).

وفي الختام أنبه على أمور:

1 - ضرورة العنايةِ بعلم علل الحديث بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، ومن لا يحسنه ولا يفهمه لا يحل له الحكم على الأحاديث حتى يتعلمه ويفهمه، وينبغي تشجيع الطلبة على دراسته، وتقرير مقرر خاص لطلبة الدراسات العليا في هذا الفن والبحث فيه.

2 - ضرورة فهم مصطلحات أئمة الحديث المتقدمين حسب استعمالهم لها عَن طريق الجمع والاستقراء والدراسة والموازنة.

3 - اتباع الأئمةِ المتقدمين في تعليلهم للأخبار، وعدم التسرع في الرد عليهم، وهذا من باب الاتباع المحمود لا التقليد المذموم.

4 - جمع طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها.

5 - اتباع منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعل يوافق طريقة الأئمة المتقدمين، فيبدأ أوّلاً بتحديد مدار الحديث، ثم بيان حال المدار من حيثُ القوة والضعف، ثم يذكر الرواة عَنْ المدار ويبين اختلافهم واتفاقهم عنه، ثم يوازن بين الروايات ويبين الراجح وأسباب الترجيح.

6 - خطأ من يقول إنَّ زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، فإنّ طريقة الأئمة المتقدمين الحكم حسب القرائن، وتقدم قريباً النقل في ذلك عَن ابن عبد الهادي، والعلائيّ، وابن حجر، وقال ابن رجب: «ثم إنّ الخطيبَ تناقضَ فذكر في كتاب «الكفاية» للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عَنْ أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب «تمييز المزيد» (58).

7 - خطأ وضع حكمٍ أو قاعدةٍ كليةٍ في الترجيح بين الأحاديث المعلة، بل الأمر كما قال ابنُ حَجَر: «كل حديث يقوم به ترجيح خاص ... ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده»، وقال البقاعي - عند كلامه على تعارض الوصل والإرسال -: «إنّ ابنَ الصلاح خَلَطَ هنا طريقةَ المحدثين بطريقةِ الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظراً لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكمٍ مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن» (59).

8 - أنَّ الأئمة المتقدمين أمثال شعبة بن الحجاج، ويحيى القطان، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدّارقُطنيّ، وغيرهم في باب التعليل - كمسألة زيادة الثقة، والتعليل بالتفرد بضوابط - متفقون بالجملة وإن وقع منهم بعض الاختلاف الجزئي لأسباب معينة؛ ومما يدل على ذلك:

قصة السائل مع أبي حاتم التي ذكرتها في أوَّل البحث؛ وفيها يقول أبو حاتم: «جاءني رجلٌ من جِلَّةِ أصحابِ الرأي مِنْ أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه عليَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل لصاحبه حديثٌ في حديث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح، فقال: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا باطل، وأنّ هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلتُ: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعي الغيب؟ قال قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن؛ فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة ... ».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير