إن شبهات المنكرين للبعث تكاد تكون متجانسة لأنها تدور حول استبعاد جمع الأجزاء بعد تفرقها وإعادة الحياة إليها بعد فنائها وهذه الشبه لا تكون إلا بالقدح في كمال علم الله المحيط بكل شيء وكمال قدرته على كل شيء، وقد قام البرهان على كمال العلم والقدرة لله - تعالى -، فلا وجه للاستبعاد والاستغراب بعد ذلك، وفي قوله - تعالى -: (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم). يعنى به أنكم مهما تفرقتم وعلى أية حال كنتم فالله قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى، مع أن المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة أشد من المنافاة بين العظمة وبين قبول الحياة وذلك أن العظم قد كان جزءا من بدن الحي، أما الحجارة والحديد فما كانا البتة موصوفين بالحياة.
وفي قوله - تعالى -: (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة). استدلال بالنشأة الأولى على الثانية وهذا هو الشاهد من الآية، أما قولهم (متى هو؟) فهو سؤال فاسد كما ذكره الرازي، لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها، ثم إن الله - تعالى - بين بالبرهان الباهر كونه ممكنا في نفسه فقولهم متى هو؟ كلام لا تعلق له بالبحث الأول فانه متى ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه، فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فان أخبر الله - تعالى - عن ذلك الوقت المعين عرف و إلا فلا سبيل إلى معرفته.
2 - قوله - تعالى -: (وهو الذي يبدؤوا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) في هذه الآية استدلال على البعث بالقياس الأولوي، وفي قوله - تعالى -: (وهو أهون عليه) ضرب مثل لأنه لا يوجد بالنسبة لله - تعالى - شيء هو أسهل وشيء هو أصعب وإنما المقدورات عندنا نحن متفاوتة في العسر واليسر باختلاف القدرة التي تزيد وتنقص في حقنا، ولما كان إيجاد شيء لا من شيء مستحيلا منا، وإيجاد شيء من شيء ممكنا استعار كلمة أفعل، وضرب ذلك مثلا، ولما استحال في حقه العجز والضعف عن إيجاد شيء لا من شيء قال: (وله المثل الأعلى) وذلك مطرد في سائر صفاته - سبحانه - من العلم والقدرة والحياة والرحمة والرضى والغضب، وكل صفة وصف بها الإنسان من ذلك فان لله - تعالى - من ذلك ما يليق بجلاله وعظمته وللمخلوق ما يليق بعجزه وضعفه.
3 - قوله - تعالى -: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف ابعث حيا (66) أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئا).
بهذا المنطق الصحيح والبرهان القاطع يرد القرآن الكريم على ذلك المنكر ويجادله في أسلوب هادئ محكم فيلزمه الحجة الواضحة في أقل من نصف سطر، وفي الآية كما ترى استدلال على المعاد بالنشأة الأولى.
ثالثا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأكوان، مثل السماوات والأرض، فان خلقها أعظم من خلق الإنسان، ومن الآيات الدالة عليه ما يلي:
1 - قوله - تعالى -: (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا (98) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه).
2 - قوله - تعالى -: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم).
3 - وقال - تعالى -: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعيا بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير).
وجميع الآيات السابقة وما في معناها من الآيات أكبر برهان على قدرة الله المطلقة التي لا تقيد بقيود ولتنتهي عند حدود، فان تلك الآيات الكونية مما هو معروف ببداهة العقول أن خلقها أعظم من إعادة خلق الإنسان.
رابعا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق النباتات المختلفة: ومن الآيات ما يلي:
1 - قوله - تعالى -: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون).
2 - قوله - تعالى -: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور).
¥