تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول، والتزكية على ما يعمل، كان عاصيا بالتصديق وبالإعانة. فإن التزكية، والثناء إعانة على المعصية وتحريك للرغبة فيها كما أن التكذيب والمذمة والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه. والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة. وقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية: هل يسقى شربة ماء؟ فقال: «لا، دعه يموت فإن ذلك إعانة له». وأيضا فلا يسلم من فساد يتطرق إلى قلبه فإنه ينظر إلى توسعه في النعمة ويزدري نعمة الله عليه ويكون مقتحما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا فإنها مسخطة للرزق». وهذا مع ما فيه من اقتداء غيره في الدخول، ومن تكثير سواد الظلمة بنفسه وتحميله إياهم إن كان ممن به وكل ذلك إما مكروهات أو محظورات فلا يجوز الدخول عليهم إلا بعذرين.

أحدهما: أن يكون من جهتهم أمر إلزام، لا إكرام، وعلم أنه لو امتنع أوذي.

والثاني: أن يدخل عليهم في دفع الظلم عن مسلم، فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب، ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا».

ثم قال: «فإن قلت: فلقد كان علماء السلف يدخلون على السلاطين فأقول: نعم تعلم الدخول منهم، ثم أدخل عليهم! فقد حكي: أن هشام بن عبد الملك، قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة» فقيل: يا أمير المؤمنين! فقد تفانوا قال: من التابعين. فأتي بطاوس اليماني فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية البساط، ولم يسلم بإمرة المؤمنين، ولكن قال: «السلام عليك يا هشام!» ولم يكنه وجلس بإزائه وقال: «كيف أنت يا هشام!» فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله وقال له: «ما حملك على ما صنعت؟!» قال: «وما الذي صنعت؟!».

فازداد غضبا وغيظا، فقال: «خلعت نعلك بحاشية بساطي، وما قبلت يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني وجلست بإزاي بغير إذن، وقلت: «كيف أنت يا هشام؟» فقال: أما قولك: «خلعت نعلي، بحاشية بساطك، فأنا أخلعها بين يدي رب العالمين كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي. وأما قولك: «لم تقبل يدي فإني سمعت علي بن أبي طالب قال: «لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد، إلا امرأته بشهوة أو ولده برحمة». وأما قولك: لم تسلم بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راض بإمرتك، فكرهت أن أكذب. وأما قولك: «لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه وقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى وكني أعداءه فقال:» تَبَّت يَداَ أَبي لَهَبٍ «وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، انظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام» فقال هشام: عظني؟.

قال: «سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إن في جهنم حيات كالقلال، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته» ثم قام وخرج.

وعن سفيان الثوري قال: «دخلت على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك؟ فقلت له: «اتق الله! فإنك قد ملأت الأرض جورا وظلما». قال: فطأطأ رأسه، ثم رفع وقال: ارفع لنا حاجتك؟ فقلت: «إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم». قال: فطأطأ رأسه ثم رفع وقال: ارفع إلينا حاجتك؟ قلت: «حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما، وأرى هاهنا أمورا لا تطيق الجمال حملها».

فهكذا كانوا يدخلون على السلاطين إذا أكرهوا فكانوا يفرون بأرواحهم في الله أعني علماء الآخرة، فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم، فيدلونهم على الرخص، ويستنبطون بدقائق الحيل السعة فيما يوافق أغراضهم» انتهى كلام الغزالي ملخصا.

وفي «أمالي» الشيخ عز الدين بن عبد السلام التي علقها عنه تلميذه الشيخ شهاب الدين القرافي أحد أئمة المالكية، ما نصه: «ومن جملة كلامه - يعني الشيخ عز الدين رضي الله عنه - وقد كتب إليه بعض أرباب الدولة يحضه على الاجتماع بملك وقتهم، والتردد إليه ليكون ذلك مقيما لجاهه وكاتبا لعدوه. فقال رضي الله عنه: «قرأت العلم لأكون سفيراً بين الله وبين خلقه، وأتردد إلى أبواب هؤلاء!» قال القرافي: «فأشار رضي الله تعالى عنه إلى من حمل العلم، فقد صار ينقل عن الله إلى عباده، فهو في مقام الرسالة ومن كان له هذا الشرف لا يحسن منه ذلك».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير