حاله من غير باب يقصده، أو يؤمله، لأن مراد الله تعالى من العلماء انقطاعهم إليه، وتعويلهم في كل أمورهم عليه، ولا ينظرون إلى الأسباب وإلى مسبب الأسباب ومدبرها، والقادر عليها، وكيف لا يكون العالم كذلك وهو المرشد للخلق والموضح الطريق المستقيم للسلوك إليه سبحانه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه من حيث لا يحتسب» انتهى.
وفي «طبقات الحنفية» في ترجمة علي بن الحسن الصندلي: «أن السلطان ملك شاة قال له: «لم لا يجيء إلي؟ قال: أردت أن تكون من خير الملوك، حيث تزور العلماء، ولا أكون من شر العلماء حيث أزور الملوك».
وقال ابن عدي في «الكامل»: «سمعت أبا الحسين محمد بن المظفر يقول: سمعت مشائخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل، ومواظبته على الاجتهاد، وأنه خرج إلى الغزو مع والي مصر فوصف من شهامته، وإقامته السنن المأثورة، واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه ولم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه».
وفي «تهذيب الكمال» للمزي في ترجمة أبي يحيى أحمد بن عبد الملك الحراني شيخ البخاري، ما نصه: «قال أبو الحسن الميموني: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: «قد كان عندنا ورأيته كيسا، وما رأيت به بأسا، رأيته حافظا لحديثه، وما رأيت إلا خيرا فقلت: رأيت جماعة يسيئون الثناء عليه. قال: هو يغشى السلطان بسبب ضيعة له».
وفي «تهذيب الكمال» أيضا بسنده عن رشدين بن سعد قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: سمعت «أعز الأشياء في آخر الزمان ثلاثة: أخ في الله يؤتسى وكسب درهم من حلال، وكلمة حق عند سلطان».
وعن خلف بن تميم قال: سمعت إبراهيم بن أدهم ينشد:
أَرى أُناساً بِأَدنى الدينِ قَد قَنَعوا وَلا أَراهُم رَضوا في العَيشِ بِالدونِ
فَاِستَغنِ بِاللَهِ عَن دُنيا المُلوكِ كَما اِستَغنى المُلوكُ بِدُنياهُم عَنِ الدينِ
وقال القالي في أماليه: «حدثنا أبو بكر ابن الأنباري، حدثني أبي قال: بعث سليمان المهلبي إلى الخيل بن أحمد بمائة ألف درهم، وسأله في صحبته فرد عليه المائة ألف وكتب إليه بأبيات:
أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ وَفي غِنى غَيرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ
سَخِيٌّ بِنَفسي أَنّي لا أَرى أَحَداً يَموتُ هُزلاً وَلا يَبقى عَلى حالِ
فَالرِزقُ عَن قَدرٍ لا العَجزِ يُنقِصُهُ وَلا يَزيدَكَ فيهِ حَولَ مُحتالِ
وَالفَقرُ في النَفسِ لا في المالِ تَعرِفُهُ وَمِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن محمد بن وهيب بن هشام قال: أنشدني بعض أصحابي لابن المبارك رحمه الله تعالى:
كُلِ الجاوُرسَ وَالأَرُزَ بِالخُبزِ الشَعيرِ وَاِجعَلَن ذلِكَ طَعاماً تَنجُ مِن حَرِّ السَعيرِ
وانأى ما استطعت هداك الله عن باب الأمير
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه أن إسماعيل بن علية قد ولي الصدقات فكتب إليه ابن المبارك:
يا جاعِلَ العِلمِ لَهُ بازِياً يَصطادُ أَموالَ المَساكينِ
اِحتَلتَ الدُنيا وَلَذّاتَها بِحيلَةٍ تَذهَبُ بِالدَينِ
فَصِرتَ مَجنوناً بِها بَعدَما كُنتَ دَواءً لِلمَجانينِ
أَينَ رِوايَتُكَ في سَردِها لِتَركِ أَبوابِ السَلاطينِ
أَينَ رِوايَتُكَ فيما مَضى عَنِ اِبنِ عَونِ وَاِبنِ سيرينِ
إِن قُلتُ أُكرِهتُ فَذا باطِلٌ زَلَّ عَمّارُ العِلمِ في الطينِ
قال: فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى.
ونظير هذا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي، عن الحاكم قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، نبأنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، قال: سمعت الناقوسي، وكان من أهل القرآن والعلم، قال سمعت محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: «كان لي صديق يقال له حصين، وكان يبرني ويصلني فولاه أمير المؤمنين السيبن، قال فكتب إليه:
خُذها إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طالِقٌ مِنّي وَلَيسَ طَلاقُ ذاتِ البَينِ
فَإِنِ اِرعَوَيتَ فَإِنَّها تَطليقَةٌ وَيَدومُ وُدُّكَ عَلى ثِنتَينِ
وَإِنِ اِلتَوَيتَ شَفَعتَها بِمِثالِها وَتَكونُ تَطليقَتَينِ في حَيضَينِ
فَإِذا الثَلاثُ أَتَتكَ مِنّي طائِعاً لَم تُغنِ عَنكَ وِلايَةَ البَحرَينِ
¥