ورواه الإمام أبو داود رحمه الله في سننه من طريق حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي رزين عن أبن أم مكتوم قال سألت النبي r فقلت يا رسول الله إني ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال نعم فلما وليت دعاني فقال" أتسمع النداء " قلت: نعم، قال: لا أجد لك رخصة.
ورواته ثقات وهو دليل صريح على أن من سمع النداء فيجب عليه الإجابة سواء كان بيته بعيداً أو قريباً وليس معنى هذا إن من لم يسمع النداء لا يجيب الصلاة ولو كان في وسط البلد ولا قال به أحد من أهل العلم والتحقيق فالذي منزله بقرب المسجد تجب عليه الإجابة سمع أو لم يسمع فإن لم يجب فقد شابه المنافقين
إلا أن محل حديث الباب عند أهل العلم في البيت النائي عن المساجد والضابط في هذا إن من سمع النداء فعليه الإجابة وإن كان بعيداً وان لم يسمع النداء فله رخصة إن يصلي في بيته علماً أن ظاهر حديث الباب لمن له عذر كابن أم مكتوم فإنه كان رجل أعمى وقائده لا يلازمه.
ومفهوم حديث الباب أن المبصر الذي لا يشق عليه المجيء يجب عليه إجابة النداء وإن كان بيته بعيداً وإن كان لا يسمع النداء إذا كان يعلم الوقت، فنأخذ من هذا عظم قدر الصلاة وأنه لا يرخص لأحد في التخلف عنها إلا لمن كان له عذر حقيقي يمنعه من الحضور إلى المسجد.
وفيه أيضاً ما عليه الصحابة من الحرص على التفقه بالدين.
وفيه أيضاً ما عليه الصحابة من حرصهم على إبراء الذمة بسؤالهم لأهل العلم.
وفيه أنه لا بد من إقامة الأذان وهو من شعائر أهل الإسلام الظاهرة وهو فرض عين عن جماعة من العلماء وفرض كفاية عن آخرين إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وجه الدلالة من الحديث أن الرسول r قال "أتسمع النداء " علم أن أهل البلد يؤذنون ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وأي طائفة امتنعت عن الأذان وجب قتالها لأن هذا من شعائر أهل الإسلام فقد كان رسول الله يمتنع من غزو البلد حين يسمع الأذان كما جاء هذا في صحيح مسلم فإن سمع النداء تركهم وإلا أغار عليهم. وظاهر هذا أن البلد الذي لا يؤذن فيه يجب قتالهم.
وأيضاً فيه تهمة لهم بعدم إسلامهم إذ كيف لا يقيمون النداء ولا يظهرون شعائر الإسلام الظاهرة. والله أعلم.
393 - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا, عَنْ اَلنَّبِيِّ r قَالَ: {مَنْ سَمِعَ اَلنِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ} رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ, وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ, وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ, لَكِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ وَقْفَه ُ ().
(الشرح):
وعن ابن عباس عن النبي r قال:
"ومن سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر ".
هذا الخبر رواه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه والدارقطني والحاكم في مستدركه كلهم من طريق هشيم بن بشر عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي r به.
وقد صححه الحاكم وقال على شرط الشيخين ولكن أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة فكان الحافظ رحمه الله يشير الى الإختلاف في رفعه فقد رفعه عن شعبة هشيم بن بشر وعبدالرحمن بن غزوان وجماعة ولكن أوقفه كبار أصحاب شعبة منهم غندر ومنهم وكيع فقد روى عنه أبو بكر بن أبى شيبة في المصنف عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً وهذا سند من أصح الأسانيد ووكيع جبل في الحفظ وهو من الثقات المتقنين وخصوصاً في أحاديث شعبة فلذلك وقف هذا الخبر أقوى من رفعه والحديث احتج به القائلون على أن المساجد شرط لصحة الصلاة والى هذا ذهب الإمام احمد رحمه الله في إحدى الروايات عنه فقال لا صلاة لمن لم يصل جماعة في المساجد، وذلك لعموم قوله
" من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر" والأعذار كثيرة منها الخوف المرض ونحو ذلك.
والحديث جاء عند أبي داود من طرق أخرى مرفوعة عن الرسول r ولكن سنده ضعيف والأشبه أنه موقوف على ابن عباس وهذا مذهبه على من لم يأت حين يسمع النداء، وقد تقدم قول النبي r للأعمى أتسمع النداء قال: نعم، قال: فأجب " وعند أبى داود من حديث ابن أم مكتوم " فإني لا أجد لك رخصة".
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في صلاة الجماعة.
¥