تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد يرى بعضهم، أنَّ في ذلك أو في طائفة منه "مصالح اقتصادية" ما دام قد تم التعاقد فيه على أساس التراضي، توصلا إلى تحقيق منافع متبادلة في العوضين بين طرفيه بوجه خاص، أو لما له من أثر في النشاط الاقتصادي بوجه عام، ولكن الشارع الإسلامي قد حرم الأساس الذي قام عليه مثل هذا التعاقد، إلغاء لتلك المصالح المظنونة أو الموهومة، لكونها غير مشروعة، لأسباب تتصل بالعدالة، صوناً له من اختلال التوازن الفاحش بين التزامات كل من الطرفين، وهو ضرب من أكل أموال الناس بدون وجه حق، أو لانتفاء ما يقابله من عوض، أو لاستغلال أزمة أو حاجة الطرف الضعيف، أو لأن "التراضي" لم يكن كاملاً حراً، بسبب ضغط الظروف القاسية، حتى كان قبولاً ظاهرياً لا رضاً حقيقياً، وهكذا ترى أن التشريع الإسلامي لا يكتفي بأن يكون العاقدان على درجة سواء من "الأهلية الشرعية الكاملة" بل يشترط –إلى ذلك- أن يكونا متساويين أيضاً من حيث "القوة الاقتصادية" حتى لا يستغل أحدهما الطرف الآخر الضعيف، فيكون مذعناً أو مرغماً في قبوله، لا راضياً حقيقة، فيفقد التصرف بذلك أساس انعقاده، وهذا تحرٍّ دقيق لأصل العدل في التعامل.

هذا، وقد أشار الإمام ابن رشد، إلى أن أساس "العدل" في التعامل، وتبادل المنافع، هو "مقاربة التساوي" بين العوضين، حتى لا يكون بينهما تفاوت شاسع يتخذ مظهراً مادياً هو ما يطلق عليه "الغبن الفاحش".

هذا بيان "للمصلحة" في الميدان الاقتصادي على سبيل المثال.

وأما "المصلحة" في الميدان السياسي وعلى الصعيد الدولي بوجه خاص، فتراها تتعلق بالمصلحة الإنسانية العليا، وعلى المستوى العالمي، فضلاً عن تعلقها بمصالح العرب والمسلمين في دولهم بخاصة، بحيث لا تفضي رعاية المصلحة الخاصة إلى استحكام التناقض بينهما، وقد مهد الإسلام السبيل إلى "التوفيق" بمحو أسباب الاضطراب العالمي كافة، كتحريم العدوان، والبغي، والاستعمار، لتكون أمة هي أربى من أمة، والمعاهدات غير المتكافئة، واستغلال الشعوب المستضعفة في الأرض، واستئصال شأفة "العنصرية" من الوجود الدولي، إذ حاربها الإسلام محاربة لا هوادة فيهل، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لتفصيله، تحقيقاً للعدل الدولي بين البشر، وهو أساس السلم العالمي.

وأما "المصلحة" في الميدان السياسي داخلاً، فقد أرسى مثلاً "مبدأ الشورى" وترك تفصيل إجراءات تنفيذه للاجتهاد بالرأي من أهله حسب الظروف، وذلك لأن "المصلحة الحقيقية" راجعة إلى "الرعية" رأساً، بحكم توجه النداءات الإلهية بالتكليف إلى الأمة أصالة، وولي الأمر نائب عنها في التنفيذ، ولذا جاءت النصوص بإرساء "مبدأ المسؤولية" تجاه ولي الأمر بقوله (: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته" ولا ريب أن المسؤولية عن "الرعية" إنما هي مسؤولية عن "مصلحتها" وقد تأكد هذا بالقاعدة المحكمة التي ناطت تصرفات ولي الأمر بالمصلحة العامة في الدولة، ومؤداها: "التصرف في الرعية منوط بالمصلحة (43) ".

فالسلطة -في التشريع الإسلامي- حق ممنوح من الرعية أصلاً، عن طريق الشورى، ولكنه حق وظيفي غيري لا شخصي، بمعنى أنه "حق وواجب" معاً، ولا ترجع المصلحة فيها إلى من يمارسها شخصياً، بل إلى الأمة مباشرة، وإذا كانت "مصلحة الأمة" هي أساس مشروعية الولاية عليها، أعني مشروعية السلطة، فإن التصرف السياسي المنافي لتلك المصلحة، يفقد مشروعية الولاية، بالمنافاة، ما دامت مصلحة الأمة هي أساس الولاية العامة.

هذا في "المصالح" وأنها من وضع الشارع نصاً ودلالة.

وأما الأحكام، فمن البدهي ألا يكون ثمة افتئات عليها، لأنها ثمرة حق الله في التشريع، وهو ما يؤكده الإمام الشاطبي بقوله: "وأما تحريم الحرام، وتحليل الحلال، وما أشبهه، فمن حق الله تعالى، لأنه تشريع مبتدأ، وإنشاء كلية شرعية ألزمها العباد، فليس لهم فيها تحكُّم، فهو مجرد أحكام فيما ليس لغير الله فيه خيرة" وهذا بيِّن.

الأحكام منشأ الحقوق:

إن النظرية العامة تقضي بأن "الحق" منشؤه الحكم الشرعي، وليس "ذات الإنسان" أو العقل المجرد، سواء أكان "الحكم الشرعي" منصوصاً عليه، أو مستفاداً ومستنبطاً دلالة عن طريق الاجتهاد في أصوله المعتبرة شرعاً (44)، وعلى هذا فمصادر الحقوق والحريات هي مصادر التشريع نفسه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير