تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، ولا ريب أن الحكم الدياني ذو أثر بالغ في توجيه المكلف إلى ما هو حق وعدل، إذا كان للعقيدة هيمنة وسؤدد على نفسه، فتبين بجلاء ما للعنصر الديني من أثر في تكوين إنسانية الإنسان.

-بعد هذا التمهيد في بحث المنهج العلمي في الاجتهاد التشريعي، حسبما تقضي به فلسفة التشريع الإسلامي، لما يترتب على اتخاذ غيره من المناهج- مما لا يتفق وطبيعة التشريع نفسه- من نتائج وثمرات متباينة، أتينا على ذكرها، قد تأتي على بنية التشريع وخصائصه ومقاصده جملة، على النحو الذي فصلنا تفصيلاً يناسب ما لهذا الموضوع من بالغ الأثر في التشريع، أقول بعد هذا التمهيد ننتقل إلى موضوعنا الأساسي، وهو النظرية العامة للشريعة الإسلامية، تحدد ذاتيتها، وطبيعة هدفها العام.

النظرية العامة للشريعة تحدد ذاتيتها، وطبيعة هدفها العام

قدمنا أن التشريع الإسلامي –باعتباره عِلماً تقويمياً لا تقريرياً- ينتظم البحث والاجتهاد فيه، منهج الغاية، وتقدير المآلات والنتائج الواقعة أو المتوقعة، أثراً لاتجاه الإرادة الإنسانية، وبواعثها في التصرف، وقد يقارن البواعث والقصود النفسية، ظروفٌ خارجية عارضة ملابسة ذات أثر في تشكيل علل أحكام جديدة تعارض حكم الأصل، ومن هنا، أشار الإمام الشاطبي إلى أن "النظر في مآلات الأفعال، معتبر مقصود شرعاً (36) " وإن على أساس هذا "المآل" –المتوقع أو الواقع فعلاً- يكون تكييف الفعل بالمشروعية وعدمها، بقطع النظر عن حكمها الأصلي، لأنها أضحت رهناً بذلك، ولا ريب أن هذه المرونة في "التكييف" تبعاً للعوامل النفسية، أو الظروف الموضوعية، تكسب التشريع قوة وقدرة فائقة على مجابهة الوقائع المستجدة، مهما تطور بالناس الزمن.

وننتقل إلى بحث "النظرية العامة للتشريع الإسلامي" بما تحدد ذاتيته، وخصائصه، وطبيعة هدفه العام.

يشير المحققون من الأصوليين في تحديدهم لأركان هذه النظرية إلى ما يلي:

المصالح –الكُلِّية والجزئية- ووسائلها من الأحكام، مبادئ، وقواعد، وتفصيلات، مما يختص بالشارع، وأن ليس للمجتهد سلطة ابتداع الأحكام، والمصالح، لما فيه من قضاء على تلك الذاتية وخصائصها، بتأسيس فقه جديد.

فالتشريع الإسلامي –حكماً ومقصداً، أو قل حكماً ومصلحة- من وضع الشارع.

أما الحكم فواضح، وأما "المصلحة" فليس معنى وضع الشارع لها، سلب صفة "المعقولية" عنها، وإلا ما كانت شريعة ذات أهداف، ومقاصد، معقولة المعنى، وقد فصل القول في ذلك، الإمام الشاطبي والإمام العز بن عبد السلام، ليؤكدا "ذاتية" الشريعة يقول الإمام الشاطبي: "إن كون المصلحة مصلحةً تُقصد بالحكم، والمفسدة كذلك، مما يختص بالشارع، فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة (37)، فهو الواضع لها مصلحة، وإلا فكان يمكن عقلاً ألا تكون كذلك (38) " وهذا صريح وبيِّن.

ومعنى ذلك، ان من المصالح ما يبدو للعقل مصلحة، ولكنك ترى الشارع قد ألغاها، نصاً أو دلالة، إما لمجافاتها للعدل، أو للمصلحة الحقيقية الكلية التي ينبغي أن تقوم حياة المجتمع ونظامه على أساسها، إن في الميدان الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، أو الوجداني والخلقي، فمن ذلك مثلاً، تحديد نصيب الأنثى في الإرث على النصف من نصيب الذكر، لاعتبارات اجتماعية واقتصادية ومالية تتعلق بنظام الأسرة كله، وإن بدا لبعضهم أن "المصلحة" في المساواة، لا سيما إذا نظر إلى هذه الجزئية مبتورة عن النظام التشريعي العام للأسرة والمجتمع معاً، لأن الشارع ألغى هذه المصلحة المظنونة نصاً (39)، لاتصال هذا الإلغاء بالعدل في توزيع التبعات المالية، ومبدأ القوامة، وكذلك تحريم كافة وجوه الاستغلال إبان التصرف في الملكية الفردية، من الاحتكار (40)، والربا، والغرر، وبيع الاسترسال (41)، وبيع المضطر وشرائه، والغبن الفاحش الناتج عن استغلال ناحية ضعف في الطرف المغبون، من عدم الخبرة، أو عدم كفاية الاختيار، أو الطيش البيِّن، أو الهوى الجامح، أو استغلال ظروف طرأت من شأنها أن تخل بالتوازن في اقتصاديات العقد بين طرفيه، بحيث ينتفى هذا "التوازن" بين التزاماته المتبادلة، مما يجافي قانون "العدل" والإنصاف في التعامل، ولا ريب أن العدل فوق العقد، لأن العقد شرع وسيلة لتحقيق العدل، لا للافتئات عليه!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير