تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شعره ([51]).

3. كما كان يتحمل في سبيل الحصول على العلم المشقة والمتاعب النفسية من بعض الشيوخ الذين كانوا صعبي المراس، فقد ذكر عن شيخه خلف بن محمد الخولاني أنه كان عسرا في الإسماع، ممتنعا إلا من يسيره، نكر الخلق حرج الصدر لكن لما كان عنده فوائد فقد كان يصبر على الاختلاف إليه ([52])، كما بين أن رشيد بن فتح الدّجّاج كان يأبى الإسماع إلا في اليسير ممن يستحبه، وأنه لم يكتب عنه سوى حديث واحد ([53])، وقد لقي هذه المعاناة - أيضا - من شيخه عبدالله بن محمد بن ربيع المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة حيث كان رجلا منقبضا ملازما للبادية أكثر وقته يأبى من الإسماع، ولهذا لم يكتب عنه ابن الفرضي سوى حديث واحد ([54]) وهكذا تعددت المشارب الثقافية التي استقى منها ابن الفرضي ثقافته وعلومه، كما تعددت المدارس والاتجاهات الفكرية التي تردد عليها، وهذا بلا شك مما أكسبه علما غزيرا متنوعا، مكنه من التعرف على تجارب كثيرة، كان لها أثر كبير في صقل مواهبه، وتنمية قدراته العلمية.

علمه ومؤلفاته:

أولاً: علمه:

أجمع المؤرخون والكتاب على أن ابن الفرضي كان واسع الثقافة، غزير العلم حافظا للحديث ورجاله، فقد قال عنه الحميدي بأنه كان: (حافظا متقنا عالما ذا حظ من الأدب وافر) ([55]) كما قال عنه تلميذه أبو عمر بن عبد البر: (كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث وعلم الرجال، وله تواليف حسان … أخذت منه عن أكثر شيوخه، وأدرك من الشيوخ ما لم أدرك …) ([56]) أما ابن حيان فقد وصفه بالأديب الراوية الفقيه الفصيح الذي لم ير مثله بقرطبة من سعة الرواية وحفظ الحديث ومعرفة الرجال والافتنان بالعلوم ([57])، كما قال عنه أبو عبد الله الخولاني بأنه كان من أهل العلم جليلا ومقدما في الأدب ([58]) ووصفه كل من ابن بشكوال ([59]) وابن عميرة ([60]) بالحافظ العالم، أما الإمام الذهبي فقد سماه بالحافظ الإمام الحجة البارع الثقة ([61]) ولعل الإجازات العلمية الكثيرة التي حصل عليها من علماء كثيرين دليل واضح يؤكد سعة علمه، ومن الذين أجازوه عبد الله بن محمد الثغري ([62]). ويدرك من يستقرئ ما خلّفه من تراث أن رواية الحديث وعلم الرجال كانت من أولى اهتماماته العلمية، ولهذا حدث عنه عدد من العلماء منهم أبو عمر بن عبد البر حيث أثنى على حسن صحبته ([63]) كما أخذ عنه أبو عبد الله الخولاني ([64]) ومحمد بن إسماعيل من أهل أستجه ([65])، وكان شيخا فاضلا ذكر ابن الفرضي أنه كثيرا ما يسأله عن معاني في الحديث تشكل عليه ([66])، كما كتب عنه عبد الله بن شعيب بن أبي شعيب من أهل ([67]) أشبونة ([68]).

ولا شك أن إلمامه الجيد باللغة العربية وعلومها،إلى جانب نزعته الأدبية مكنه من استيعاب كل ما يقرأ أو يسمع - هذا فضلا عن استطاعته تبليغ ما يريد بأسلوب جيد وفصاحة مطبوعة، ولهذا كان عند حديثه قلما يلحن في جميع كلامه مع حضور الشاهد

والمثل، كما يقول ابن بشكوال ([69]).

وقد بدت نزعته الأدبية واضحة في نتاجه العلمي، ولهذا وصفه ابن حيان ([70]) بالأديب الفصيح، كما وصفه ابن بسام بأنه شاعر مقل حسن النظام، مقترن الكلام، هو في العلماء أدخل منه في الشعراء ([71]) وقد روى عنه أبو عمر بن عبد البر شعرا ومنه:

على وجل مما به أنت عارف

أسير الخطايا عند بابك واقف

ويرجوك فيها فهو راج وخائف ([72])

يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها

كما روى الحميدي قصيدة قالها وهو في طريقه إلى المشرق، وكتب بها إلى أهله ومنها:

وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا

مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة

ولو كان هذا لم أكن في الهوى حُرّا

وما لي حياة بعدكم استلذها

بلى زادني وجدا وجدّد لي ذكرى ([73])

ولم يُسلَني طول التنائي هواكُمُ

كما ذكر الحميدي أن أبا بكر علي بن أحمد الفقيه أنشده قول ابن الفرضي:

إن لم يكن قمرا فليس بدونه

إن الذي أصبحت طوع يمينه

وسقام جفني من سقام جفونه ([74])

ذُلّي له في الحبّ من سلطانه

وقد ذكر ابن بشكوال أن ابن الفرضي لما عاد إلى قرطبة من المشرق كان قد جمع علما كثيرا في فنون العلم ([75])، كما ذكر ابن حيان أن رحلته إلى المشرق قد أكسبته علما حيث أخذ عن شيوخ عدة فتوسع جدا وكان جماعا للكتب فجمع منها أكثر ما جمع أحد من عظماء البلد ([76]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير