تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت له عناية ورحلة وسماع بمكة ومصر، وانصرف من رحلته فلزم قرطبة يطلب العلم ويسمع إلى أن استقضى وذلك سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، كتبت ذلك كله من خط المستنصر بالله- رحمه الله -) ([340]).

أما القسم الثاني من تراث الحكم المستنصر بالله فيشمل تلك المصنفات التي أمر الحكم بتأليفها، فألفها عدد من الكتاب والمؤرخين تلبية لتلك الرغبة، ومن ذلك ما ألفه محمد بن الحارث الخشني حيث يذكر ابن الفرضي أنه ألف للمستنصر كتباً كثيرة بلغت مائة ديوان، كما جمع له في رجال الأندلس كتاباً أخذ منه ابن الفرضي حين تأليفه لكتابه ([341])، كما ألف كل من محمد بن أحمد مجموعاً في التاريخ للمستنصر بالله، وخالد ابن سعد ألف له كتاباً في رجال الأندلس ([342])، وقد أفاد من هذه المؤلفات جميعها كما وضحنا ذلك حين حديثنا عن كل واحد منهم.

ويستوحى من خلال استقرائنا لما نقله ابن الفرضي من كتابات الحكم المستنصر أنه كان ذا ملكة علمية وتاريخية جيدة، وأنه كان من مشاهير علماء الأندلس آنذاك، وقد أدرك هذه الحقيقة ابن الآبار، ولهذا قال: (عجباً لابن الفرضي، وابن بشكوال، كيف لم يذكراه) ([343])، كما قال عنه الذهبي: (غزر علمه، ودق نظره، وكان له يد بيضاء في معرفة الرجال والأنساب والأخبار) ([344]).

كما كانت لابن الفرضي بعض النقولات من كتاب محمد بن حسن الزبيدي ([345]) والمعروف بطبقات النحويين واللغويين، وذلك فيما يتعلق ببعض العلماء الذين كانت لديهم نزعة علمية في مجال اللغة العربية حيث يعزو إليه بقوله: ذكره ([346]) محمد بن حسن الزبيدي أو من كتاب الزبيدي ([347])، أو ذكرنا ذلك من كتاب ([348]) محمد بن حسن الزبيدي، ومن أمثلة ما نقله منه قوله عن إبراهيم بن عبد الله المعافري (وكان مع رواياته للحديث حافظاً اللغة،بصيراً بالشعر مطبوعاً فيه) ([349])، كما قال عن بكر بن خاطب المرادي (كان ذا علم بالعربية والعروض والحساب، وله تأليف في النحو) ([350]).

كذلك أخذ ابن الفرضي من كتابات أبيه ومن ذلك ما ذكره حين حديثه عن مولده حيث قال: (ومولدي سنة أحدى وخمسين وثلاثمائة … ليلة الثلاثاء لتسعة أيام بقيت من ذي القعدة، وجدت ذلك بخط أبي رحمه الله) ([351])، ومنه قوله: (وجدت بخط أبي - رحمه الله- على بعض ما كتبه مات أبي - يعني يوسف بن نصر - رحمة الله عليه ومغفرته - لعشرة بقين من محرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة) ([352]).

وبالإضافة إلى هذه الكتب والمؤلفات التاريخية الأندلسية التي اعتمد عليها ابن الفرضي، فقد أخذ - أيضاً - من بعض كتابات مؤرخي المشرق حيث ذكرهم من بين مصادره، وكان من أهمهم خليفة بن خياط (ت40هـ) ([353]) والواقدي (ت207هـ) ([354]) وعبد الغني بن سعيد الأزدي (ت409هـ) ([355])، وأحمد بن محمد بن إسماعيل بن المهندس (ت385هـ) ([356])، و الإمام البخاري (ت 256هـ) ([357])، وكان اعتماده على هؤلاء المؤرخين حين الحديث عن الشخصيات المشرقية والتي لها علاقة بالمغرب مثل موسى بن نصير ([358])، وابنه عبد العزيز وغيرهما ([359]) من أهل المشرق.

كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي المكتوبة، والتي اعتمد عليها بنسب متفاوتة في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، وقد بدا لنا من خلال هذا العرض ما يلي:

- أن هذه المصادر كانت كثيرة ومتنوعة، وأن ابن الفرضي قد أحسن اختيارها أذ إنها تعد من أفضل ما كتب عن تاريخ الأندلس في تلك الفترة، وأن معظمها كان لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.

- حسن اختيار ابن الفرضي لمصادره حيث كان يعتمد على مصادر متخصصة علمياً أو جغرافياً حسب الأشخاص المتحدث عنهم فالمهتمون بالحديث يرجع فيهم إلى كتب الرجال، وذوي الأدب واللغة إلى من اهتموا بهذا الأمر وهكذا، بل إنه ربما اختار مصدرًا دقيقًا لتحديد جزئية من تاريخ الأشخاص كاعتماده على الأسدي في تحديد سنة الوفاة،كذلك اعتماده على الرازي فيما يتعلق بالعلماء الذين جاؤوا من مصر وهكذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير