تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ليس فيه تحريض على قتال النبي e حتى يقال: التحريض على القتال قتال، وإنما فيه تحريض على ترك دينه وذم له ولمن اتبعه، وأقصى [غاية] ذلك أن لا يدخل في الإسلام من لم يكن دخل أو أن يخرج عنه من دخل فيه، وهذا شأن كل [ساب].

يبين ذلك أنها هجته بالمدينة وقد أسلم أكثر قبائلها، وصار المسلم بها أعز من الكافر، ومعلوم أن الساب في مثل هذه الحال لا يَقْصد أن يُقَاتل الرسول وأصحابه، وإنما يقصد إغَاظَتهم وأن لا/ يُتَابَعُوا.

وأيضاً، فإنها لم تكن تطمع في التحريض على القتال، فإنه لا خِلاَف بين أهل العلم بالسيرة أن جميع قبائل الأوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل النبي e بيدٍ ولا لسان، ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من إظهار ذلك، وإنما غاية الكافر أو المنافق منهم أن يُثَبِّطَ الناس عن اتَّبَاعه، أو أن يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة، ونحو ذلك مما فيه تَخْذِيلٌ عنه وحضٌّ على الكفر به، لا على قتاله، على أن الهجاء إن كان من نوع القتال فيجب انتقاض العهد به، ويُقْتَل به الذمي، فإنه إذا قَاتَلَ انتقض عهده؛ لأن العهد اقتضى الكفَّ عن القتال، فإذا قاتل بيدٍ أو لسانٍ فقد فعل ما يناقض العهد، وليس بعد القتال غاية في نكث العهد.

إذا تبين ذلك فمن المعلوم [من] سيرة النبي e الظاهرة علمه عند كل من له علم بالسيرة أنه e لما أقام بالمدينة لم يحارب أحداً من أهل المدينة، بل وادعهم حتى اليهود خصوصاً بطون الأوس والخزرج؛ فإنه كان يسالمهم ويتألفهم بكل وجه، وكان الناس إذ قَدِمَهَا على طبقاتٍ: منهم المؤمن وهم الأكثرون ومنهم الباقي على دينه وهو متروك لا يُحَارِبُ ولا يُحَارَبُ، وهو والمؤمنون من قبيلته وحلفائهم أهل سِلْمٍ لا أهل حربٍ؛ حتى حلفاء الأنصار أقرَّهم النبي e على حلفهم.

قال موسى بن عقبة عن ابن شِهَابٍ: قَدِمَ رسول الله e المدينة وليس فيها دار من دور الأنصار إلا فيها رهطٌ من المسلمين، إلا بني خَطْمَةَ وبني واقفٍ وبني وائل كانوا آخر الأنصارِ إسلاماً، وحول المدينة حُلفاء الأنصار كانوا يستظهرون بهم في حربهم، فأمرهم رسول الله e أن [يُخَلوا] حِلْفَ حلفائهم؛ للحرب التي كانت بين رسول الله e و بين مَن عادى الإسلام.

وكذلك قال الواقدي فيما رواه عن يزيد بن رُومَان و ابن كعب بن مالك عن جابر بن عبدالله في قصة ابن الأشرف، قال: "فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا: " ... وكان رسول الله e قَدِمَ المدينة وأهلها أخْلاط، منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام/ فيهم أهل الحَلْقَة والحصون، ومنهم حُلَفَاء للحيين جميعاً الأوس والخزرج، فأراد رسول الله e ـ حين قدم المدينة ـ اسْتِصْلاحَهُم كلهم و موادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً".

ومن المعلوم أن قبائل الأوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض.

فإذا كان النبي e قد أقرهم كانت هذه المرأة من المعاهدين، وكان منهم المُظْهِر للإسلام المُبْطِنُ لخلافه، يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وكان الإسلام و الإيمان يَفْشُوا في بطون الأنصار بطناً بعد بطن، حتى لم يبق فيهم مُظهر للكفر، بل صاروا إما مؤمناً وإما منافقاً، وكان مَن لم يُسْلم منهم بمنزلة اليهود مُوادع مُهادِن، أو هو أحسن حالاً من اليهود لما يُرجى فيه من العصبية لقومه، وأن يَهْوى هواهم، ولا يرى أن يخرج عن جماعتهم، وكان النبي e يُعَاملهم ـ من الكف عنهم، واحتمال أذاهم ـ بأكثر مما يعامل به اليهود، لما كان يرجوه منهم، ويخاف من تغيير قلوب مَن أظهر الإسلام من قتالهم لو أوقع بهم، وهو في ذلك مُتَّبع قوله تعالى:) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير