إِلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ بِالغَيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى عُمَيْر بنِ عَدِيِّ" فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تسرَّى في طاعة الله، فقال: "لا تقل الأعمى، ولكنه البصير".
فلما رجع عمير من عند رسول الله e وجد بنيها في جماعة يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عمير أنت قتلتها؟ فقال: نعم فكيدوني جميعاً ثم لا تُنْظِرُون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموتَ أو أقتلكم، فيومئذٍ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان منهم رجال يَسْتَخْفُون بالإسلام خوفاً من قومهم، فقال حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي.
قال: أنشدنا عبدالله بن الحارث:
بَنيِ وَائِلٍ وَبَنيِ وَاقفٍ و خَطْمَة دُوْنَ بَني الخَزْرَجِ
/مَتَى مَا دَعَتْ أُخْتُكُمْ وَيْحَهَا بِِعَوْلَتِهَا و المنَايَا تَجِي
فَهَزَّتْ فَتىً مَاجِداً عِرْقُهُ كَريْمَ المداخلِ و المخْرَجِ
فَضَرَّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدِّمَا قُبَيْلَ الصَّبَاحِ ولَمْ تَخْرُجِ
فَأَوْرَدَكَ اللهُ بَرْدَ الجِنَا نِ جَذْلاَن في نِعْمَة المَوْلِجِ
قال عبدالله بن الحارث عن أبيه: وكان قتلها لخمس ليالٍ بَقِينَ من رمضان مَرجع النبي e من بدر".
وروى هذه القصة أخصر من هذا أبو أحمد العسكري، ثم قال: كانت هذه المرأة تهجو رسول الله e وتؤذيه.
وإنما خص النبي e العنز دون سائر الغنم؛ لأن العنز تشام العنز ثم تفارقها، وليس كنطاح الكِبَاش وغيرها. وذكر هذه القصة مختصرةً محمد بن سعد في "الطبقات".
وقال أبو عبيد في "الأموال": "وكذلك كانت قصة عصماء اليهودية، إنما قتلت لشتمها النَّبِيَّ e"، وهذه المرأة ليست هي التي قتلها سيدها الأعمى، ولا اليهودية التي قُتلت؛ لأن هذه المرأة من بني أمية بن زيد أحد بطون الأنصار، ولها زوج من بني خطمة، ولهذا ـ والله أعلم ـ نسبت في حديث ابن عباس إلى بني خطمة، والقاتل لها غير زوجها، وكان لها بنون كبار وصغار، نعم كان القاتل من قبيلة زوجها كما في الحديث.
وقال محمد بن إسحاق: أقام مصعب بن عمير عند أسعد بن زُرَارة يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف، وتلك أوْسُ الله، وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنَّه كان فيهم أبو قَيْس بن الأَسْلَتِ كان شاعرهم يسمعون منه ويعظِّمونه.
فهذا الذي ذكره ابن إسحاق يُصدق ما رواه الواقدي من تأخر ظهور الإسلام ببني خطمة، و الشعر المأثور عن حسان يوافق ذلك.
وإنما سقنا القصة من رواية أهل المغازي ـ مع ما في الواقدي من الضعف ـ لشهرة هذه القصة عندهم، مع أنه لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل [أمور] المغازي، وأخبر الناس بأحوالها وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون عِلْمَ ذلك من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خَلْطُ الروايات بعضها ببعض، حتى يظهر أنه سمع مجموع القصة من شيوخه، وإنما سمع من كل واحد بعضها، ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديث المرسل و المقطوع، وربما حَدَس الراوي بعضَ الأمور لقرائن استفادها من عدة جهات، ويكثر من ذلك إكثاراً فَيُنْسَبُ لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط، فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به، فأما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لا يمكن المنازعة فيه، لا سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل و المقتول وصورة الحال؛ فإن الرجل وأمثاله أفضل من أن يقعوا في مثل هذا في كذب ووضع، على أنَّا لم نثبت قتل الساب بمجرد هذا الحديث، وإنما ذكرناه للتقوية والتوكيد، وهذا يحصل ممن هو دون الواقدي.
وجه دلالة قصة عصماء الخطيمة
ووجه الدلالة: (أن هذه المرأة لم تقتل إلا لمجرد أذى النبي e وهَجْوه، وهذا بَيِّن) في قول ابن عباس: "هجت امرأة مِنْ خطمة النبي e فقال: من لي بها؟ " فعُلِم أنه إنما نَدَبَ إليها لأجل هَجْوِها، وكذلك في الحديث الآخر: "فقال عمير حين بَلَغَهُ قولها وتحريضها: اللهم إن لك عليّ نَذْراً لئن رددت رسول الله e إلى المدينة لأقتلنها" وفي الحديث لما قال له قومه: أنت قتلتها؟ فقال: "نعم، فكيدوني جميعاً ثم لا تُنْظِروني، فوالذي نفسي بيده لو قلتم جميعاً ما قالت لضربتكم بسيفي حتى أموت أو أقتلكم" فهذه مقدمة، ومقدمة أخرى وهو أن شعرها
¥