[الناسخ والمنسوخ في القرآن]
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[08 - 02 - 06, 03:28 ص]ـ
الحمد لله وحده؛ هذا بحث مختصر جامع في الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، قد يحتاج إليه طالب العلم وغيره:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
تمهيد
وبعد؛ فهذا بحث بخصوص "الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم"، ألخص فيه مفهوم النسخ في القرآن كعلم من علوم التفسير، وأنواعه، ومذاهب المفسرين فيه، عسى أن يعكس صورة واضحة لهذا الباب من أبواب علوم التفسير، الذي أصبح – نظرا لتوسع العلماء فيه – علما مفردا، له قواعده وتفاصيله، بحيث أفردت فيه عدة مصنفات، أذكر من بينها:
- "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224).
- "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس (ت 338).
- "ناسخ الحديث ومنسوخه" لعمر بن أحمد ابن شاهين (ت 385).
- "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" لأبي بكر الحازمي (ت 584).
- "نواسخ القرآن" لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 587).
وكما تكلم العلماء عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، فقد تكلموا عن الناسخ والمنسوخ في الحديث النبوي، وفي نسخ القرآن بالقرآن والسنة، ونسخ السنة بالسنة والقرآن. وسأحاول في هذه العجالة رسم صورة واضحة عن علم "الناسخ والمنسوخ" وذكر أهم محطات هذا العلم الشريف.
خطة البحث:
ونظرا لاشتراط أي بحث أن يقوم على خطة متجانسة البناء، محكمة الصياغة، فقد آثرت أن تكون خطتي كالتالي:
- المقدمة: أستعرض فيها تعريف النسخ، ومشروعيته، ومكانته في علم التفسير.
- الفصل الأول: شروط ثبوت النسخ.
- الفصل الثاني: ما يقع به النسخ.
- الفصل الثالث: طريق معرفة النسخ.
- الفصل الرابع: أنواع النسخ في القرآن.
- الفصل الخامس: الحكمة من النسخ.
- الخاتمة.
- فهرس المصادر.
- الفهرس العام.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني فيما رمت إليه، ويجعل لي سبيلا إلى التوفيق والسداد، فما كان من التوفيق فهو من الله وحده، وما كان من غيره فهو مني ومن الشيطان. وصلى الله وسلم على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
المقدمة
تعريف النسخ:
النسخ لغة: الرفع والإزالة. ومنه يقال: نسخ الكتاب. أي: رفع منه إلى غيره. ونسخت الشمس الظل: أزالته.
قال الزجاج: "النسخ في اللغة: إبطال شيء وإقامة آخر مقامه، تقول العرب: نسخَت الشمس الظل: إذا أذهبته وحلت محله" (1). ومثاله: آية: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}. [الجاثية/ 29].
كما يطلق على إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه، كقولهم: نسخت الريح الأثر (2)، ومثاله: آية: {ما ننسخ من آية أوننسها نأت بخير منها أو مثلها}. [البقرة/ 106].
أما اصطلاحا: فقد اختلف المفسرون والأصوليون في تعريفه، ولعل تعريفه المستقر اصطلاحا أول من أظهره هو الإمام الشافعي في "الأم"، ولم يكن مطردا قبله وإن كان موجودا (3).
وحدُّه عند حذاق أهل السنة: الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه (4).
ومجموع ما يمكن أن يعرف به أنه: رفع حكم شرعي عملي جزئي، ثبت بالنص بحكم شرعي عملي جزئي ثبت بالنص وورد على خلافه، متأخر عنه في وقت تشريعه، ليس متصلا به (5).
أما مواضيعه وصوره فقد لخصها الإمام ابن عطية رحمه الله تعالى بقوله: "وصور النسخ تختلف؛ فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف؛ كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين".
"وقد ينسخ الأخف إلى الأثقل؛ كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان".
"وقد ينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة. كالقبلة. وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل؛ كصدقة النجوى" (6).
مشروعية النسخ:
والنسخ جائز على الله تعالى عقلا؛ لأنه ليس يلزم عنه محال (البداء مثلا)، ولا تغيير صفة من صفات الله (العلم الخالي عن الشك مثلا)، وليست الأوامر معلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تبدلت، ولا النسخ لطرو علم، بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول، ويعلم نسخه له بالثاني (7).
فقد وردت دلائل النسخ في الكتاب والسنة؛
فمن الكتاب الكريم: قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}. [البقرة/ 106].
¥