تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً، فإن القوم أخبروا رسول الله e بقوله، فقال: "كَذَبَ عَدُوُّ الله" ثم أمر بقتله إن وجد حياً، وقال: "ما أراكَ تجده حَيّاً" لعلمه e بأن ذنبه يوجب تعجيل العقوبة.

الأمر بالعقاب عقب وصف فعل يدل على عليته

و النبي e إذا أمر بالقتل أو غيره من العقوبات والكفارات عقب فعل وُصِف له صالح لترتيب ذلك الجزاء عليه كان ذلك الفعل هو المقتضي لذلك الجزاء لا غيره، كما أن الأعرابي لما وصف له الجماع في رمضان أمره بالكفارة، ولما أقر عنده ماعز والغامدية وغيرهما بالزنى أمر بالرجم، وهذا مما لا خلاف فيه بين الناس نعلمه، نعم قد يختلفون في نفس الموجب هل هو مجموع تلك الأوصاف أو بعضها؛ وهو نوع من تنقيح المناط، فأما أن يجعل ذلك الفعل عديم التأثير والموجب لتلك العقوبة غير الذي لم يذكر، وهذا فاسد بالضرورة، لكن يمكن أن يقال فيه ما هو أقرب من هذا، وهو أن هذا الرجل كذب على النبي e كذباً يتضمن انتقاصه وعيبه؛ لأنه زعم أن النبي e حكّمه في دمائهم و أموالهم، وأذِنَ له أن يبيت حيث شاء من بيوتهم، ومقصودُه بذلك أن يبيت عند تلك المرأة ليفجر بها، ولا يمكنهم الإنكار عليه إذا كان محكماً في الدماء والأموال.

لا يحل النبي المحرمات

ومعلوم أن النبي e لا يحلِّلُ الحرام، ومن زعم أنه أحل المحرمات من الدماء والأموال والفواحش فقد انتقصه وعابه، ونسبه النبي e إلى أنه يأذن له أن يبيت عند امرأة أجنبية خالياً بها، أو أنه يحكم بما شاء في قومٍ مسلمين، طَعْنٌ على النبي e، وعَيْبٌ له، وعلى هذا/ التقدير فقد أمر بقتل من عابه وطعن عليه من غير استتابة، وهو المقصود في هذا المكان؛ فثبت أن الحديث نص في قتل الطاعن عليه من غير استتابة على كلا القولين.

ومما يؤيد القول الأول أن القوم لو ظهر لهم أن هذا الكلام سب وطعن لبادروا إلى الإنكار عليه، ويمكن أن يقال: رَابَهُمْ أمره، فتوقَّفُوا حتى استثبتوا ذلك من النبي e، لما تعارض وجوبُ طاعة الرسول و عظم ما أتاهم به هذا اللعينُ، ومن نصر القول الأول قال: كُلُّ كذب عليه فإنه متضمن للطعن عليه كما تقدم، ثم إن هذا الرجل لم يذكر في الحديث أنه قصد الطعن والإزراء، وإنما قصد تحصيل شهوته بالكذب عليه، وهذا شأن كل من تعمد الكذب عليه، فإنه إنما يقصد تحصيل غرضٍ له إن لم يقصد الاستهزاء به، والأغراض في الغالب إما مالٌ أو شَرفٌ، كما أن المتنبي إنما يقصد ـ إذا لم يقصد مجرد الإضلال ـ إما الرياسة بنفاذ الأمر وحصول التعظيم، أو تحصيل الشهوات الظاهرة، وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْرٌ كَفَرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً؛ إذ لا يكاد يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله.

من آذى النبي فقتل دخل النار

السنة الرابعة عشرة: حديث الأعرابي الذي قال للنبي e لما أعطاه: ما أحسنت ولا أجْمَلْت، فأراد المسلمون قتله، ثم قال النبي e: " لَوْ تَرَكْتُكُمْ حِيْنَ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ" وسيأتي ذكره في ضمن الأحاديث المتضمنة لعَفْوه عمن آذاه؛ فإن هذا الحديث يدل على أن من آذاه إذا قُتل دخل النار، وذلك دليلٌ على كفره و جواز قتله، إلا كان يكون شهيداً، وكان قاتله من أهل النار، وإنما عفا عنه النبي e ثم استرضاه بعد ذلك حتى رضي؛ لأنه كان له أن يعفو عمن آذاه كما سيأتي إن شاء الله.

ما جرى في تقسيم غنائم حنين

ومن هذا الباب: أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حُنَيْنٍ: إن هذه لَقِسْمَةٌ ما أُرِيْدَ بها وجه الله، فقال عمر: دعني يا رسول الله فأقْتُل هذا المنَافِقَ، فقال: "مَعَاذَ اللهِ أن يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أن محمداً يَقْتُلُ أصْحَابَه"، ثم أخبر أنه يخرج من ضِئضِئه أقوامٌ يقرؤُون القرآن لا يجاوز حَنَاجرهم، وذكر حديث الخوارج،/ رواه مسلم، فإن النبي e لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يَتَحَدَّثَ الناسُ أن محمداً يقتل أصحابه، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ؛ فإنه لما قال: ما فَعَلْتُ ذلك كُفْراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رِضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله e: " إنهُ قَدْ صَدَقَكُمْ" فقال عمر: دَعْني أضْرِبْ عُنُقَ هذا المنافق، فقال: "إنهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير