تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غَفَرْتُ لَكُمْ"، فبين e أنه باقٍ على إيمانه، وأنه صدر منه ما يُغفر له به الذنوب، فعلم أن دمه معصوم، وهنا علل بمفسدة زالت.

فعلم أن قتل مثل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة جائز، ولذلك لما أُمنت هذه المفسدة أنزل الله قوله:) جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم (بعد أن كان قد قال له:) وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ قال زيد بن أسلم: قوله:) جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ (نسخت ما كان قبلها.

ومما يشبه هذا أن عبدالله بن أُبيَّ لما قال:) لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مَنْهَا الأَذَلَّ وقال:) لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (استأمر عمر في قتله، فقال: "إذَنْ تُرْعَدُ لهُ أُنُوفٌ كَثِيرَةٌ بِالمَدِينَةِ"، وقال: "لاَ يَتَحَدَّث النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، والقصة مشهورة، وهي في "الصحيحين"، وستأتي إن شاء الله تعالى.

فعلم أن من آذى النبي e بمثل هذا الكلام جاز قتله لذلك مع القدرة، وإنما ترك النبي e قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفاً.

ومن هذا الباب: أن النبي e لما قال: "مَن يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ في أَهْلِي" قال له سعد بن معاذ: "أنا أعذرك، إن من الأوس ضربت عنقه"، والقصة مشهورة، فلما لم يُنْكِر عليه ذلك دلّ على أن من آذى النبي e و تنقصه يجوز ضرب عنقه، والفرق بين ابن أُبيّ وغيره ممن تكلم في شأن عائشة أنه كان يقصد بالكلام فيها عَيْبَ رسول الله، e، والطعن عليه، وإلحاق العار به، ويتكلم بكلام ينتقصه به؛ فلذلك/ قالوا: نقتله، بخلاف حسان ومِسْطَح وحَمْنة فإنهم لم يقصدوا ذلك، ولم يتكلموا بما يدل على ذلك؛ ولهذا إنما استعذر النبي e من ابن أُبيّ دون غيره، ولأجله خطب الناس حتى كاد الحيان [يقتتلون].

قصة قسمة مال العزى

الحديث الخامس عشر: قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه: حدثني أبي عن المجالد بن سعيد عن الشعبي قال: لما افتتح رسول الله e مكة دعا بمال العُزَّى فنثره بين يديه، ثم دعا رجلاً قد سماه فأعطاه منها، ثم دعا أبا سفيان بن حرب فأعطاه منها، ثم دعا سعيد بن الحارث فأعطاه منها، ثم دعا رهطاً من قريش فأعطاهم، فجعل يُعطِي الرجل القطعة من الذهب فيها خمسون مثقالاً وسبعون مثقالاُ ونحو ذلك، فقام رجل فقال: إِنَّكَ لَبَصِيرٌ حيث تضع التَّبْر، ثم قام الثانية فقال مثل ذلك، فأعرض عنه النبي e، ثم قام الثالثة فقال: إنك لَتَحْكُمُ وما نرى عدلاً، قال: "وَيْحَكَ، إِذاً لاَ يَعْدِلُ أَحَدٌ بَعْدِي"، ثم دعا نبي الله e أبا بكر فقال: "اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ"، فذهب فلم يجده، فقال: "لَو قَتَلْتَهُ لَرَجَوْتُ أنْ يَكُونَ أوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ".

متى كان قسم مال العزى وقسم غنائم حنين؟

فهذا الحديث نصٌّ في قتل مثل هذا الطاعن على رسول الله e من غير استتابة؛ وليست هي قصة قَسْم غنائم حنين ولا قسم التِّبْر الذي بعث به علي من اليمن، بل هذه القصة قبل ذلك في قسم مال العزى، وكان هَدْمُ العُزَّى قبل الفتح في أواخر شهر رمضان سنة ثمان، وغنائم حُنَين قسمت بعد ذلك بالجِعْرانَة في ذي القعْدَة، وحديث علي في سنة عشر.

وهذا الحديث مُرْسَل، ومَخْرَجُه عن مجالد وفيه لين، لكن له ما يؤيد معناه؛ فإنه قد تقدم أن عمر قتل الرَّجُلَ الذي لم يَرْضَ بحكم النبي e، ونزل القرآن بإقراره على ذلك، وجُرْمُه أسْهَلُ من جرم هذا.

إخبار الرسول عن الخوارج

وأيضا، فإن في "الصحيحين" عن أبي سعيد عن النبي e في حديث الذي لَمَزَهُ في قسمة الذهيبة التي أرسل بها عليٌّ من اليمن وقال: "يا رسول الله اتَّق الله" أنه قال: "إنهُ يَخْرُجُ من ضِئْضِئ هذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كتَابَ اللهِ رَطْباً لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الِّدينِ كمَا/ يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير