تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

e كان إذا آذى المسلمين وضرهم قتله عقوبة له على ذلك ولم يمنَّ عليه بعد القدرة عليه، فهذا/ الذي نقض عهده بضرر المسلمين أولى بذلك، ألا ترى أنه لما منَّ على أبي عزة الجمحي وعاهده ألا يعين عليه فغدر به ثم قدر عليه بعد ذلك وطلب أن يمن عليه فقال: "لا تَمْسَح سبلاتك بِمَكَّةَ وَتَقُول: سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ" ثم قال: "لا يُلْدَغُ المؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْن" فلما نقض يمينه منعه ذلك من المَنّ عليه؛ لأنه ضره بعد أن كان عاهده على ترك ضراره، فكذلك من عاهد من أهل الذمة أنه لا يؤذي المسلمين ثم آذاهم لو أطلقوه للدغوا من جحر واحد مرتين، ولمسح المشرك سبلاته وقال: سخرت بهم مرتين.

وأيضاً، فلأنه إذا لحق بدار الحرب وامتنع لم يضر المسلمين، وإنما أبطل العقد الذي بينه وبينهم فصار كحربي أصلي، أما إذا فعل ما يضر بالمسلمين ـ من مقاتلة، أو زنى بمسلمة، أو قطع الطريق، أو جس، أو نحو ذلك ـ فإنه يتعين قتله؛ لأنه لو لم يقتل لخلت هذه المفاسد عن العقوبة عليها وتعطلت حدود هذه الجرائم، ومثل هذه الجرائم لا يجوز العفو عن عقوبتها في حق المسلم، فَلأَنْ لا يجوز العفو عن عقوبتها في حق الذمي أَوْلى وأَحْرى، ولا يجوز أن يقام عليه حدها منفرداً كما يقام على مَن بقيت ذمته الحدُّ لأن صاحبها صار حربياً، والحربي لا يقام عليه إلا القتل، فتعين قتله، وصار هذا كالأسير اقتضت المصلحةُ قتله لعلمنا أنه متى أفْلَتَ كان فيه ضرر على المسلمين أكثر من ضرر قتله فإنه لا يجوز المن عليه ولا المفاداة به اتفاقاً، ولأن الواجب في مثل هذا إما القتل أو المن أو الاسترقاق أو الفداء، فأما الاسترقاق فإنه أبقى له على ذمته بنحو مما كان فإنه كان تحت ذمتنا نأخذ منه الجزية بمنزلة العبد، ولهذا قال بعض الصحابة لعمر في مسلم قتل ذمياً: "أتقيد عَبْدَك من أخيك؟ " بل ربما كان استعباده أنفع له من جعله ذمياً، واستعباد مثل هذا لا تُؤْمن عاقبته وسوء مَغَبَّته، وأما المنُّ عليه والمُفَاداة به فأبلغ في المَفْسَدة، وإعادته إلى الذمة تركٌ لعقوبته بالكلية، فتعين قتله.

يوضح ذلك أنا على هذا التقرير لا نعاقبه إذا عاد إلى الذمة إلا بما يعاقب به المسلم أو الباقي على ذمته، وهذا/ في الحقيقة يؤول إلى قول من يقول: إن العهد لا ينتقض بهذه الأشياء، فلا معنى لجعل هذه الأشياء ناقضة للعهد وإيجاب إعادة أصحابها إلى العهد وأن لا يعاقبوا إذا عادوا إلا بما يعاقب به المسلم.

ويؤيد ذلك أن هذه الجرائم إذا رفعت العهد وفسخته فلأن تمنع ابتداءه بطريق الأولى، لأن الدوام أقوى من الابتداء، ألا ترى أن العدة والردة تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه، فإذا كان وجود هذه المضرات يمنع دوام العقد فمنعه ابتداءه أولى وأحرى، وإذا لم يجز ابتداء عقد الذمة فلأن لا يجوز المن عليه أولى، ولأن الله تعالى أمر بقتل جميع المشركين إلا أن المشدود وثاقه من المحاربين جعل لنا أن نعامله بما نرى، والخارج عن العهد ليس بمنزلة الذي لم يدخل فيه، كما أن الخارج عن الدين ليس بمنزلة الذي لم يدخل فيه، فإن الذي لم يدخل فيه باقٍ على حاله، والذي خرج من الإيمان والأمان قد أحدث فساداً؛ فلا يلزم من احتمال الفساد الباقي المستصحب احتمال الفساد المحدث المتجدد؛ لأن الدوام أقوى من الابتداء.

يبين ذلك أن كل أسير كان يؤذي المسلمين مع كفره فإن النبي e قتله مثل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ومثل أبي عزة الجمحي في المرة الثانية.

وأيضاً، فإنه إذا امتنع بطائفة أو بدار الحرب كان ما يُتَوقى من ضرره متعلقاً بعزه ومَنَعَته كالحربي الأصلي، فإذا زالت المنعة بأسره لم يبق منه ما يبقى إلا من جهة كونه كافراً فقط، فلا فرق بينه وبين غيره، أما إذا ضر المسلمين وآذاهم بين ظهرانيهم، أو تمرد عليهم بالامتناع مما أَوْجَبَتْهُ الذمة عليه كان ضرره بنفسه من غير طائفة تمنعه وتنصره، فيجب إزهاق نفسه التي لا عصمة لها وهي منشأ الضرر وينبوع الأذى للمسلمين، ألا ترى أن الممتنع ليس فيما فعله إغراء للآحاد غير ذوي المنعة بخلاف الواحد فإن فيما يفعله فتح باب الشر، فإن لم يعاقب فَعَلَ ذلك غيره وغيره، ولا عقوبة لمن لا عهد له من الكفار/ إلا السيف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير