تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً، فإن الممتنع منهم قد أمرنا بقتاله إلى أن يُعطي الجزية عن يدٍ وهو صاغر، وأمرنا بقتاله حتى إذا أثخنَّاه فشدّ الوَثَاق، فكل آية فيها ذكر القتال دخل فيها، فينتظمه حكم غيره من الكفار الممتنعين، ويجوز إنشاء عقدٍ ثانٍ لهم واسترقاقهم ونحو ذلك، أما من فعل جنايةً انتقض بها عهده وهو في أيدينا فلم يدخل في هذه العمومات؛ لأنه لا يقاتل وإنما يقتل، إذ القتال للممتنع وإذا كان أخذ الجزية والمن والفداء إنما هو لمن قوتل وهذا لم يقاتل، فيبقى داخلاً في قوله:) فَاقْتُلُوا المُشْرِكِيْنَ (غير داخل في آية الجزية والفداء.

وأيضاً، فإن الممتنع يصير بمنزلة الحربي، والحربي تندرج جميع سيئاته تحت الحراب، بحيث لو أسلم لم يؤخذ بضمان شيء من ذلك بخلاف الذي في أيدينا، وذلك لأنه ما دام تحت أيدينا في ذمتنا فإنه لا تأويل له في ضرر المسلمين وإيذائهم، أما اللحاق بدار الحرب فقد يكون له معه شبهة في دينه يرى أنه إذا تمكن من الهرب هرب، لاسيما وبعض فقهائنا يبيح له ذلك، فإذا فعل ذلك بتأويل كان بمنزلة ما يُتْلِفُه أهل البغي والعدل حال القتال لا ضمان فيه، وما أتلفوه في غير حال الحرب ضمنته كل طائفة للأُخرى، فليس حالُ مَن تأوّل فيما فعله من النقض كحال من لم يتأول.

وأيضاً، فإن [ما] يفعله بالمسلمين من الضرر الذي ينتقض به عهده لابدَّ له من عقوبة؛ لأنه يجوز إخلاء الجرائم التي تدعو إليها الطباع من عقوبة زاجرة، وشَرْعُ الزواجِر شاهدٌ لذلك، ثم لا يخلو إما أن تكون عقوبته من جنس عقوبة من يفعل ذلك من مسلم وذمي باقية ذمته أو دون ذلك أو فوق ذلك، والأول باطلٌ؛ لأنه يلزم أن يكون عقوبة المعصوم والمباح سواء، ولأن الذي نقض العهد يستحق العقوبة على كفره وعلى ما فعله من الضرر الذي نقض به العهد، وإنما أخرت عقوبة الكفر لأجل العهد، فإذا ارتفع العهدُ استحقَّ العقوبة على الأمرين، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين مَن فعل ذلك وهو معصوم وبين مُبَاحٍ/ دمُه لم يفعل ذلك؛ لأن هذه المعاصي إذا فعلها المسلم فإنها مُنْجبرة بما يلتزمه من نصر المسلمين ومنفعتهم وموالاتهم، فلم يتمحض مضراً للمسلمين لأن فيه منفعة ومضرة وخيراً وشراً، بخلاف الذمي فإنه إذا ضرَّ المسلمين تمحَّض ضرراً لزوال العهد [الذي] هو مظنة منفعته ووجود هذه الأمور المضرة، وإذا لم يجز أن يعاقب بما يعاقب به المسلم فأَنْ لا يعاقب بما هو دونه أولى وأحرى، فوجب أن يعاقب بما هو فوق عقوبة المسلم، ثم المسلم عقوبته تحتم قتله إذا فعل مثل هذه الأشياء، فتحتم عقوبة ناقض العهد أولى، لكن يختلفان في جنس العقوبة فهذا عقوبته القتل فيجب أن يتحتم، وذلك عقوبته تارةً القتل وتارةً القطع وتارةً الرجم أو الجلد.

فصل

الكلام في خصوص مسألة السب

إذا تلخصت هذه القاعدةُ فيمن نقض العهد على العموم فنقول: شاتم رسول الله e يتعين قتله كما قد نص عليه الأئمة.

أما على قول من يقول: يتعين قتل كل مَن نقض العهد وهو في أيدينا أو يتعين قتل كل من نقض العهد بما فيه ضرر على المسلمين وأذى لهم كما ذكرناه في مذهب الإمام أحمد وكما دلَّ عليه كلام الشافعي الذي نقلناه، أو نقول: يتعين قتلُ من نقض العهد، بسبِّ الرسول e وَحْده كما ذكره القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا، وكما ذكره طائفةٌ من أصحاب الشافعي، وكما نص عليه عامة الذين ذكروه في نواقض العهد، وذكروا أن الإمام يتخير فيمن نقض العهد على سبيل الإجمال فإنهم ذكروا في مواضع أخَرَ أنه يقتل مِنْ غير تخيير فظاهر.

وأما على قول من يقول: إن كل ناقض للعهد فإن الإمام يتخير فيه كالأسير، فقد ذكرنا أنهم قالوا: إنه يستوفي منه الحقوق كالقتل والحد والتعزير، لأن عقد الذمة على أن تجري أحكامنا عليه، وهذه أحكامنا، ثم إذا استوفينا منه ذلك فالإمام مخير فيه كالأسير، وعلى هذا القول فيمكنهم أن يقولوا: إنه يقتل؛ لأن سبَّ رسول الله e موجبٌ للقتل حداً من الحدود كما لو نقض العهد بزنى أو قطع طريق، فإنه يقام عليه حدُّ ذلك فيقتل إن أوجب القتل، بل قد يقتل الذمي حدّاً/ من الحدود وإن لم ينتقض عهده كما لو قتل ذمياً آخر أو زنى بذمية فإنه يستوفى منه القَوَدُ وحد الزنى وعهده باقٍ، ومذهب مالك يمكن أن يوجَّه على هذا المأخذ إن كان فيهم من يقول: لم ينتقض عهده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير