(16) حديث صحيح، أخرجه مسلم (رقم 125)، وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(17) "المقدمات الأساسية" (ص212).
(18) حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 332، رقم: 378)، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 254)، وأبو داود في سننه (رقم 3670)، والترمذي في سننه (رقم: 3049)، والنسائي في سننه (رقم: 5540)، وغيرهم.
(19) "الموافقات" (3/ 108 - 109).
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[08 - 02 - 06, 03:39 ص]ـ
الفصل الثاني: شروط ثبوت النسخ
النسخ بمفهوم أنه: القول بانتساخ حكم الله في مسألة وإبداله بحكم آخر، من الخطورة بمكان، وادعاؤه يحتاج إلى بينة واستدلال وشروط، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}. [يونس/ 15]، فدل على أن النسخ إنما هو لله وحده، كان ذلك في كتاب أو سنة.
وعليه؛ امتنع ادعاء النسخ بالاحتمال، والأصل: وجوب العمل بجميع الأحكام الثابتة بنصوص الكتاب والسنة، واعتقاد أنها محكمة، حتى نتيقن النسخ (1).
قال أبو جعفر النحاس: "لا يقال "منسوخ" لما ثبت في التنزيل وصح فيه التأويل إلا بتوقيف أو دليل قاطع" (2).
وقال الحافظ ابن حزم: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ. إلا بيقين" (3).
وقال الحافظ ابن الجوزي: "إطلاق القول برفع حكم آية لم يُرفع؛ جرأة عظيمة" (4).
ويمكن إجمال شروط القول بالنسخ فيما يلي:
1 - أن يكونا ثابتين بالنص:
أي: أن يكون كل من الناسخ والمنسوخ إما آية من كتاب الله تعالى وإما سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصح أن تنسخ الآية الآية والسنة، كما يصح أن تنسخ السنة الآية والسنة على خلاف كما سيأتي بحول الله تعالى.
2 - أن يأتيا على صيغة طلب أو ما يفيده:
إذ النص يأتي إما على صيغة طلب؛ كالأمر والنهي، ومثاله: قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام}. [البقرة/ 144].
أو صيغة خبر معناه الطلب؛ كقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}. [البقرة/ 234].
قال القرطبي: "قيل: إن الخبر إذا تضمن حكما شرعيا جاز نسخه؛ كقوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا}. [النحل/ 67] " (5).
أما ما لم يرد على صيغة الطلب، كالنصوص المتحدثة عن أخبار الأمم الأخرى، والإخبار عما سيكون؛ كأشراط الساعة، وما هو من جنس ذلك؛ لا يكون فيه نسخ إجماعا، لأن الخبر الصادر يستحيل الرجوع عنه، لما يقتضي من الخطأ في أحد الخبرين، والحق تعالى منزه عنه (6).
3 - أن يكونا ثابتين نقلا:
وهذا الشرط معتبر عندما تكون السنة طرفا في النسخ، أما بالنسبة للقرآن الكريم فقد وصل إلينا بالتواتر القطعي الذي لا يحوم به شك.
قال أبو بكر ابن خزيمة: "لا يجوز ترك ما قد صح من أمره صلى الله عليه وسلم وفعله في وقت من الأوقات إلا بخبر صحيح عنه ينسخ أمره ذلك وفعله" (7).
وهل يشترط فيه التواتر؟؛ خلاف. قال القرطبي وابن عطية: "والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا، واختلفوا هل وقع شرعا؛ فذهب فذهب أبو المعالي (الجويني) وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء، في التحول إلى القبلة، وأبى ذلك قوم" (8).
4 - أن يكونا حكمين شرعيين:
والمقصود: أن يكون الحكم ثابتا بخطاب الشرع لا بدليل العقل، مثل ما يثبت بطريق الاستصحاب، كالإباحة الأصلية، والبراءة الأصلية.
فقد ثبت في العقول أن ما خلقه الله في الأرض مباح للإنسان حتى يرد خطاب الشرع بنقله عن تلك الإباحة، كما ثبت في العقول أن الذمم بريئة حتى يرد خطاب الشرع بإيجاب الواجبات، فورود النص بذلك لا يعتبر نسخا، لأن الإباحة لم يُحتج إلى معرفتها بدليل الشرع، إنما عرفت بعدم الخطاب (9).
5 - أن يكونا عمليين:
أي: يتصلا بأحكام كسب الجوارح؛ كالصلاة والصوم، مثل: نسخ استقبال بيت المقدس في الصلاة باستقبال القبلة، ونسخ فرض قيام الليل في أول سورة المزمل بما أنزل في آخرها ... إلخ.
أما أعمال القلوب؛ كالتوحيد والإيمان والإخلاص، والخوف والرجاء ... وشبه ذلك؛ فلا يقع فيها نسخ.
6 - أن يكونا جزئيين:
¥