تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: ما بلغنا لفظه أو موضوعه؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نُسخت بخمسٍ معلومات" (11).

الثاني: ما بلغنا مجرد الخبر عنه ورُفع منه كل شيء، كما في حديث زر بن حُبيش رضي الله عنه قال: "قال لي أبي بن كعب: كأيّن تُقرأ سورة الأحزاب؟، أو: كأين تعدُّها؟. قال: قلت له: ثلاثا وسبعين آية، فقال: قط؟، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة" (12).

الفصل السادس: الحكمة من النسخ

النسخ جار مع مقاصد الشرع لتحقيق مصلحة المكلف:

1 - فتارة ينزل الوحي بالحكم الشاق على المكلّفين لأجل اختبارهم وامتحان صدق إيمانهم. كما مضى في آية: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}. ونسخها بآية: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ... الآية. فخفف الله تعالى عن الأمة ولم يؤاخذهم بما لا طاقة لهم به.

2 - وتارة لتدرج الناس بالتشريع، لحداثة الناس بالجاهلية، ولا يخفى ما فيه من تأليف قلوبهم بالإسلام، وتهيئتهم لما أريدوا له من نصر دين الله.

ومثاله: التدرج في تحريم الخمر، وكذا التدرج في عدد الصلوات المشهور في حديث الإسراء والمعراج. وقد مضى ذلك.

3 - كما أنه من حكم النسخ: إظهار نعمة الله عز وجل بما يرفع به من الحرج والضيق بنوع سابق من أنواع التكليف، ومن مثال ذلك زيادة على ما مضى: عدة المرأة، فقد كان بداية عاما كاملا، كما في الآية: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}. [البقرة/ 240].

فنسخ الله تعالى ذلك بقوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}. [البقرة/ 234].

4 - كما يقع بالنسخ تطييب نفس النبي صلى الله عليه وسلم ونفوس أصحابه بتمييز هذه الأمة على الأمم وإظهار فضلها. ومثاله تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة كما مضى بيانه.

وبالجملة؛ فقد قال الإمام الشافعي: "إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض أثبتها وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه، فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه" (14).

الخاتمة ختم الله لنا بالحسنى وزيادة

تبين لنا مما سبق في هذا البحث الملخص المختصر أن علم "الناسخ والمنسوخ" من العلوم الشرعية الأساسية التي تقوم عليها علوم القرآن والسنة، وأن مشروعيته ثبتت بالقرآن والحديث الشريف، وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة، خلا غلاة الرافضة.

وأن النسخ كما يتعلق بالقرآن الكريم فهو متعلق بالسنة النبوية، وأن القرآن ينسخ القرآن كما ينسخ السنة، وأنه على الصحيح كما أن السنة تنسخ السنة فهي تنسخ القرآن الكريم. وأن للنسخ دلالات وعلامات تشترط لوقوعه، وأنه لا يقع إلا في الأحكام العملية بخلاف الاعتقاد والأخبار المجردة.

كما أنه اتضح لنا أن الله انتهج النسخ في شريعة نبينا تخفيفا عنا، وامتحانا لإيماننا، وتدرجا في الدعوة والإرشاد للطريق السوي، مراعاة لقوم انتقلوا من الجاهلية للإسلام، وأن هذا النسخ معلوم النص والحكم، ومنه ما ليس معلوما لا نصا ولا حكما إنما وردت الإشارة إلى وجوده ثم نسخه، كما سبق حول سورة الأحزاب.

ومن هنا تتضح أهمية "الناسخ والمنسوخ" في علوم الشريعة، وأنه علم أساس لمعرفة تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة النبوية، واستنباط الأحكام الشرعية، وفك التعارض بين النصوص.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

فهرس المصادر

1. "الإحكام في أصول الأحكام" لأبي محمد علي بن حزم الأندلسي القرطبي. نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت (سنة 1980م).

2. "الأدب المفرد". لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (مع شرحه "فضل الله الصمد") نشر المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة (1388 هـ).

3. "البرهان في أصول الفقه". لأبي المعالي الجويني. تحقيق د. عبد العظيم الديب، نشر دار الأنصار، القاهرة (1400 هـ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير