3 - جهل بعض أهل السنة في بعض المسائل وعدم التفريق بين الأصول الكبار التي لا يعذر فيها المخلوق وبين المسائل التي للنظر والاجتهاد فيها مجال فحصلت الفرقة والشقاق فاضطر أهل السنة للتأليف في بعض تلك المسائل حسماً للخلاف وبيان الحق فيها.
4 - التأليف لبيان عقيدة بعض الأئمة حتى لا ينسب إليهم شيء لم يقولوا به خاصة وأن من عادة أهل البدع الكذب على أئمة أهل السنة وعلمائهم.
5 - تعرض المؤلف من أهل السنة لبعض الفتن والأحداث التي تحتم عليه بيان موقفه الصحيح من بعض القضايا العقدية التي بسببها تعرض لمثل هذا الأذى ولعل المثل الذي يستحضر دائماً فتنة اللفظ التي أوذي بسببها الإمام البخاري ومن أجلها ألف كتابه العظيم ((خلق أفعال العباد)) حتى يبين الحق في المسألة ويرد التهمة عن نفسه أداءً منه للأمانة وإبراءً للذمة.
6 - تصنيف أهل البدع في باطلهم المصنفات لتقرير مذهبهم الباطل؛ فكان لزاماً على أهل الحق أن يطوروا وسائلهم تمشياً مع المرحلة التي هم فيها لأن العدو قد استخدم سلاحاً إعلامياً جديداً في نشر باطلهم فكان من فقه السلف أن نوّعوا في التأليف فأفردوا لمسائل الاعتقاد مصنفات مستقلة حتى يقابلوا الوسيلة الإعلامية الجديدة بوسيلة مثلها بل وأحسن منها كما هو الحال في مصنفات أهل السنة ().
7 - خشية ضياع العلم بسبب موت العلماء من الصحابة وما بعدهم ().
8 - دور الحكام والأمراء في توجيه العلماء لتدوين العلم أو التأليف عموماً.
9 - أهمية علم العقيدة.
10 - الافتراق في الأمة الإسلامية.
11 - المؤثرات الخارجية من احتكاك المسلمين بغيرهم من أهل الملل الأخرى، ولا سيما بعد الفتح الإسلامي الكبير لبلاد فارس والروم والهند وغيرها ().
12 - المسائل العقيدة المستجدة وكان من ذلك مسألة الصفات وما يتعلق بالإيمان وما يتعلق بالقدر، وإن هذه المسائل العظيمة وغيرها كانت دافعاً قوياً وباعثاً لعلماء أهل السنة كي يبينوا الحق فيها ().
ومن هذا العرض الموجز للعوامل والمؤثرات في نشأة وتدوين علم العقيدة يمكن القول بأن هذه النشأة كانت استجابة لضرورة طبيعية ملحة، تمثلت في مشكلات سياسية واجتماعية، نجمت في حياة المسلين، وباتت تهدد –باستفحالها المطّرد- البناء الديني الذي قام عليه المجتمع الإسلامي. كما تمثلت في تحديات دينية وفلسفية مع الأديان والفلسفات القديمة، باتت تروج بين المسلمين وتهدد بنية العقيدة الإسلامية، فهذه المشكلات والتحديات دفعت الفكر () الإسلامي في سبيل الدفاع عن مرجعيته العقدية إلى أن يتجه إلى معالجة تنظيرية، فكانت نشأة علم العقيدة بمنْزلة استجابة لتحديات ناجمة من صميم واقع المسلمين ().
المبحث الثاني
نشأة التدوين ومراحله
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نشأة التدوين.
المطلب الثاني: مراحل التدوين.
المطلب الأول
نشأة التدوين
التحق رسول الله n بالرفيق الأعلى بعد أن ترك في هذه الأمة ما إن تمسكت به لن تضل بعده أبداً: كتاب الله وسنة رسوله n، وكان كتاب الله تعالى محفوظاً بحفظ الله، جمعهُ الصحابة في صدورهم وكتبوه في الصحف على ما كان متيسراً من وسائل الكتابة؛ ليكون ذلك وسيلة لتحقيق وعد الله تعالى بحفظه، مع وسائل أخرى، فتوفر لهذا الكتاب الكريم ما لم يتوفر لأي كتاب آخر سماوياً كان أو غير سماوي.
أما الحديث وسنة النبي n فلم تدوّن رسمياً في عهد النبي n كما دُوّن القرآن الكريم، وكان أول من فكر بجمع السنة وتدوينها: عمر بن عبدالعزيز t فكَلَف الإمام الحافظ ابن شهاب الزهري بتدوين ما سمعه من أحاديث الصحابة فجمعها غير مبوبةٍ على أبواب العلم، وربما كانت مختلطةً بأقوال الصحابة والتابعين (). ثم تتابع العلماء على التدوين، فقل أن تجد بلداً من البلدان إلا وفيه عالم يجمع ويكتب، ففي مكة: ابن جريج وابن إسحاق، وفي المدينة: سعيد بن أبي عَرُوبة ومالك بن أنس، وفي البصرة: حماد بن سلمة، وفي الكوفة: سفيان الثوري، وفي اليمن: معمر، وبمصر: الليث بن سعد، وفي الشام: الأوزاعي، وبواسط: هشيم بن بشير، وبخرسان: عبدالله بن المبارك، وبالري: جرير بن عبدالحميد.
ثم جاء الجيل الآخر من أهل السنة، فكان التدوين والتصنيف، فصنفت المسانيد، والصحاح، والسنن: على ترتيب أحاديث الصحابة وعلى أبواب العلم ().
¥