وكان هذا الجيل في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وكانت طريقة التدوين في هذا الجيل ضم الأبواب بعضها إلى بعض في كتاب واحد على ما فعله الإمام مالك في (الموطأ) والبخاري ومسلم في (صحيحيهما) وأصحاب السنن في كتبهم، وبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب مثل: باب الإيمان، باب العلم، باب الطهارة ... باب التوحيد، باب السنة، وهكذا ().
فكأن هذا التبويب للأحاديث، كان النواة الأولى في استقلال كل باب – فيما بعد- بالبحث والنظر والعناية والتدقيق وبيان الأحكام، فعن أبواب الوحي والإيمان والسنة والتوحيد ... نشأ علم العقيدة واستقل عن العلوم الأخرى المستنبطة من الكتاب والسنة ().
المطلب الثاني
مراحل التدوين
ثم إن الفتن بعده n رفعت رأسها رويداً، وشيئاً فشيئاً لتنال من أصول الدين قبل فُروعه، ومن عقائده قبل شرائعه، إمضاءً لسنته سبحانه في الابتلاء والامتحان
? ??????????? ???? ?????? ???? ????????? ?????????? ???? ???? ???? ????????? ? ?????? ???? ????????? ??????? ???? ? ().
فظهرت بدعة الخوارج فالرفض، ثم الإرجاء والقدر، ظهرت بدع الجهمية المعطلة في أوائل المائة الثانية، وما تشعب منها بعد ذلك من فرق وطوائف، لتتحقق آية من آيات النبي n في افتراق أمته كالأمم قبلها.
ثم إنه تنوعت بدع التعطيل في التجهم، ثم ورثه الاعتزال وكان منه على الدين وأهله من المصائب والويلات ما لا يخفى، ضلالاً وابتداعاً وافتراقاً، غصَّ بها تاريخ المسلمين، وحرقت به وحدتهم واجتماعهم، ولم تزل تعاني من آثار ذلك أشد العناء.
وفي المائة الثالثة فالرابعة تولَّد عن بدعتي التجهم والاعتزال بدعة أخرى، تمثلت في بدعة الكلابية، ومتولي كبرها أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب القطان، ومن تلقف بدعته من بعده، وهما الطائفتان الكبيرتان: الأشاعرة والماتريدية.
والسنة الحقة في ذلك ماضية وثابتة، في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن والبدع من لدن الصحابة g، وبعدهم كبار التابعين، فالتابعون فتابعوهم بإحسان إلى أن يشاء الله. على جادة واحدة، وطريقة واضحة، متمثلة فيما كان عليه النبي n وأصحابه.
وركبهم بعد ذلك يسير على هذا الهدى، ويصبر على ملمات الفتن، ويصابر شبهات وشهوات أهل البدع، بمن جعلهم الله سبحانه وتعالى في كل زمان فترةٍ من الرسل، وهم البقايا الباقية من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويصابرون أهل الرى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس –بالشبهة والشهوة- قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه –عن طريق الحق- قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذي عقدوا ألوية البدع.
وبين يدي ذلك تتأكد أهمية العناية بالعقيدة الإسلامية، وتصفيتها مما يشوبها من عواري البدع، وذلك بتحري منهج السلف الصالح في تقرير العقيدة والدفاع عنها والرد على مخالفيها، ومن خلال الآثار السلفية المروية عنهم قولاً وفعلاً وحالاً ... والبحث عنها، وجمعها، ودراسة طرق روايتها، والتأمل فيها، والتفهم لها وإنزالها المكان اللائق بها على بصرة وهدى ... ولذلك ولغيره اعتنى أئمة الإسلام جيلاً بعد جيل، بنقل آثار الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم ورحمهم بالأسانيد عنهم، وتناقلوها واحتفوا بها وزبروها في قلوبهم، وزينوا بها تصانيفهم ().
نماذج لبعض المصنفات التي دونت وذكرها حسب القرون:
((لم يكن التأليف إلا في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث؛ لأن ما سبق كان بين كبار السلف في الصدر الأول فأنكروه)) ().
القرن الثاني والثالث:
• كتاب الإيمان، لأبي عبيدالقاسم بن سلام، ولد سنة 159هـ، وتوفي سنة 224هـ.
• الحيدة والاعتدال في الرد على من قال بخلق القرآن، للكناني، توفي سنة 240هـ.
• الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد بن حنبل، ولد سنة 164هـ، وتوفي سنة 241هـ.
القرن الرابع:
• الاستواء، لابن الحداد القيرواني، ولد سنة 219هـ، وتوفي سنة
302هـ.
• الشريعة، للآجري، توفي سنة 360هـ.
• السنة، للطبراني، ولد سنة 260هـ، وتوفي سنة 360هـ.
القرن الخامس:
¥