تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا العرض يتبين لنا أن ابن الفرضي وعلى الرغم من قوة الحس التاريخي لديه فإنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية، أو التناقض بين بعض ما ذكره من أقوال أو روايات استقاها من مصادره، إلا أنها كانت قليلة إذا ما قورنت بكثرة ما جمعه من مادة علمية ومن مصادر وموارد مختلفة.

الخاتمة:

بعد هذه الجولة بين مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، والتي استقى مادته العلمية في هذا الكتاب بدت لنا القضايا والاستنتاجات التالية:

- أن القدرات والمواهب الشخصية التي تمتع بها ابن الفرضي قد ساعدته كثيرا على نضج شخصيته العلمية، فهو حافظ ومحدث وناقد وفقيه وراوية؛ وقد كان لهذا النضج العلمي أثره الواضح في قدرته على الاستيعاب ومن ثم الإحاطة بما يرى أو يسمع أو يقرأ.

- أن تعدد المشارب الفكرية عند ابن الفرضي قد أثرت على شخصيته العلمية، فبالرغم من كونه مالكي المذهب، إلا إنه لم يبق أسيرا لمذهبه بل كان يأخذ من أصحاب المذاهب والاتجاهات الفكرية الأخرى حسب حاجته وهذا التوجه إضافة إلى نزعته الأدبية واللغوية قد جعلته يملك وسائل وأساليب أعانته كثيرا على تعدد مصادره وفهمها.

- أن من يقرأ مقدمة ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء يدرك اهتمامه الواضح بالتوثيق والمصادر، وأنه كان يستشعر أن آفة الأخبار رواتها كما كان يعدها مرآة صادقة لما يحويه كتابه في ثناياه من معلومات رأى أنها مهمة في بابها وموضوعها.

- كما بدا لنا من خلال استقراء مقدمة هذا الكتاب وبعد الاطلاع على ما جمعه من معلومات وأخبار في ثنايا كتابه، أن مصادره كانت متعددة ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له مادة علمية؛ ولهذا جاءت مصادره متنوعة ما بين مشاهد ومسموع، ومقروء أو مستنبط.

- أن المصادر المكتوبة كانت تمثل حيزا كبيرا من بين مصادره وكان من أهمها المؤلفات التاريخية والتي أحسن اختيارها إذ جاء معظمها لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.

- وكانت المكاتبة والاستكتاب رافدا مهما لمصادره التاريخية لاسيما في الجزئيات الدقيقة من سير الأفراد حيث كان يصل إلى هذا النوع من مصادره عن طريق الرسائل التي يضمنها بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة فيأتيه الرد مكتوبا متضمنا الجواب على سؤاله أو أسئلته.

- كما اعتمد ابن الفرضي على اللوحات والوثائق المادية في جمع مادته العلمية مثل اللوحات على القبور ووثائق المبايعات، وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنه كان مصدرا مهما لديه؛ وذلك لوضوحه ودقة دلالته فضلا عن سرعة الوصول إليه.

- أن إلمام ابن الفرضي بعلم الجرح والتعديل قد جعل المعاينة والمعايشة والمشاهدة من مصادره الرئيسة؛ ذلك أنه من خلال هذا العلم قام برصد صفات وقدرات ومواهب من التقى بهم أو عايشهم من أولئك الرجال، ثم ضمنها كتابه لتكون مادة علمية مهمة في كتابه.

- كانت الرواية الشفوية مصدرا مهما عند ابن الفرضي ومما ساعده كثيرا على الإفادة من هذا النوع من المصادر معايشته لكثير من رواتها وأحداثها، هذا فضلا عما يتمتع به ابن الفرضي من مواهب علمية وقدرات شخصية مكنته من السؤال عما أشكل عليه والتحري عن الراوي والمروي عنه حيث كانت لدى ابن الفرضي همة قوية ونفس واسع في تتبع هذا النوع من المصادر مع الدقة والأمانة في الرصد والنقل

- أن قوة حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي قد أثرت على تعامله مع مصادره؛ إذ إنه لم يكن يأخذ كل ما تذكره مصادره على أنها قضايا مسلم بها لا تحتمل الخطأ والتحريف والزلل، بل كان يحلل ويناقش بعض الروايات كما نقد بعض ما ذكرته مصادره مما أكسب شخصيته العلمية الاستقلالية بالرأي والتحرر من كبوات وأوهام بعض المصادر.

- على الرغم من كون ابن الفرضي محدثا وناقدا وحافظا ومهتما بمصادره ومن يأخذ عنه فإنه كان أحيانا يأخذ من مصادر مجهولة، كما كان أحيانا يذكر بعض الروايات التي لا تتكئ على أسس علمية أو منهجية بل ربما كان مصدرها الرؤى المنامية أو حكايات الناس، وهذا بلا شك مما أوقعه في بعض المزالق العلمية.

- كان هذا أبرز ما توصل إليه هذا البحث من استنتاجات وقد بدت تفصيلاتها مع غيرها في ثنايا هذه الدراسة والحمد لله أولا وآخرًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير