الاضطراب المذكور وترجيح أحد وجوهه إنما هو باعتبار طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ابن بسر، لا باعتبار الطريقين المشار إليهما بل ولا باعتبار طريق لقمان بن عامر عن خالد بن معدان، فانها خالية من الاضطراب أيضا وهى عن عبد الله بن بسر عن اخته الصماء، وهي من المرجحات للوجه الاول، وبعد ثبوت الطريقين المذكورين،. . يتبين أن الوجه الثاني ثابت أيضا عن ابن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم باسقاط أخته من الوسط. والتوفيق بينهما حينئذ مما لابد منه وهو سهل ان شاء الله تعالى، وذلك بان يقال: ان عبد الله بن بسر رضي الله عنه سمع الحديث أولا من أخته الصماء، ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة. فرواه خالد بن معدان عنه على الوجه الاول، ورواه يحيى وحسان عنه على الاخر وكل حافظ ثقة ضابط لما روى) انتهى كلام الالبانى رحمه الله تعالى.
والخلاصة أن الحديث صحيح خالٍ من الاضطراب
هذا الحديث منسوخ
القائلون بالجواز قالوا: إن هذا الحديث منسوخ قال ابن حجر في التلخيص: (وادَّعى أبو داود: أنَّ هذا منسوخ؛ ولا يتبين وجه النسخ فيه؛ قلت: يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر أمره قال: خالفوهم؛ فالنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية؛ وهذه صورة النسخ، والله أعلم) إنتهى.
ثم ذكر في الفتح سبب نسخَه فقال: (وصرح أبو داود بأنه منسوخ؛ وناسخه: حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: "أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم" وفي لفظ: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد؛ أخرجه أحمد والنسائي، وأشار بقوله: "يوما عيد" إلى أنَّ يوم السبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامه) إنتهى.
لكنَّ رأيَ ابن رشد في بداية المجتهد أنَّ ناسخَه غيرُ ذلك إذ يقول: (قالوا: والحديث منسوخ؛ نسخه: حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "صمت أمس؟ " فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟ "، قالت: لا، قال: "فافطري) إنتهى.
إذن فالحديث منسوخ بأمرين:
• الامر الاول: حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم).
• الامر الثاني: حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟ " فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟ "، قالت: لا، قال: "فافطري) البخاري , وفي معناه حديث أبي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده) متفق عليه.
القائلون بالنهي قالوا: أما الامر الاول: وهو حديث أم سلمه رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد).
فيمكن الاجابة عليه من وجهين:
الوجه الاول: هذا الحديث ضعيف , وذلك لجهالة حال راويين عبدالله بن محمد بن عمر وأبيه، ولم يتابعا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد: (وفي صحة هذا الحديث نظر؛ فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: وقد استنكر بعض حديثه) انتهى.
وهذا الحكم- ضعف الحديث - هو ما استقرَّ عليه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
الوجه الثاني: وعلى فرض صحة الحديث فلا معارضة , لأن حديثها رضى الله عنها فعل , وحديث النهي قول , والقول مقدم على الفعل كما هو مقرر في علم الأصول , كما قد يقال ان صيام السبت والاحد يحتمل الخصوصية بالرسول صلى الله عليه وسلم , كما ان حديث أم سلمه رضي الله عنها إباحة وحديث النهى حظر , والحظر مقدم على الإباحة كما هو مقرر في علم الأصول , نقول هذا على فرض صحة هذا الحديث و الأمر ليس كذلك فالحديث ضعيف ولا يصح ان يكون ناسخا لحديث ابن بسر الصحيح.
• وأما الامر الثاني: حديث جويرية بنت الحارث أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟ "، قالت: لا، قال: فافطري) البخاري.
¥