الراوي أنا في الحقيقة مما يفيدني جداً ويفضل إفطاري على صيام الآخرين ذلك لأن هذا الصحابي يقول صيام الآخرين كصيام الدهر لا صام ولا أفطر أما أنا فأترك صيام يوم السبت لله والله يعوضني خيراً منه) انتهى.
هذا وقد جاء الحديث عن صحابى آخر وهو أبي أمامة رضى الله عنه , والحديث في السلسلة الصحيحة رقم (3101) , عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصم يوم السبت إلا في الفريضة، ولو لم تجد إلا لحاء شجرة فأفطر عليه) , قال الشيخ الألباني: (وإذا عرفت ما تقدم؛ فمن الظلم للسنة والانحراف عنها أن يبادر بعض المعاصرين إلى الشك في صحة هذا الحديث بل الجزم بضعفه، فضلاً عن القول بأنه كذب! والله المستعان) انتهى.
فهذا الحديث لم يرو من آل بسر فقط كما يظن , بل شاركهم في روايته الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: ما نقل عن بعض الأئمة من وجود اختلاف بين العلماء ومنهم من قال بالنهى مطلقا عن صيام يوم السبت ومن هذه الاقوال:
• ما نقل الطحاوي في كتابه شرح معاني الأثار (فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأسا وكان من الحجة عليهم في ذلك، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم، أو بعده يوم , وقد ذكرنا ذلك بأسانيده، فيما تقدم من كتابنا هذا، فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت , ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها) انتهى.
فقوله (فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأسا) , تدل على ان هناك من العلماء من قال بالنهى مطلقا.
وكلمة فكرهوا في كلامه رحمه الله تعالى هى كراهة التحريم لا التنزيه وذلك لأمور هى:
الامر الاول: وضوح معنى الحديث على النهى مطلقا , كما وضحناه سابقا.
الامر الثاني: أن الطحاوي نفسه يعرف أن الحديث ظاهر الدلالة على النهى حيث قال (ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها) انتهى.
فهو يحكم على الحديث بالشذوذ لان هناك احاديث تجيز صيام السبت , وهذا الحديث يخالفها اى يحرم صيامه , فحكم عليه بالشذوذ.
الامر الثالث:ان الاحناف اذا اطلقوا الكراهة فإنهم يريدون بها الكراهة التحريمية.
قال الالبانى فى تخذير الساجد (والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم) انتهى. وكما هو معلوم فالطحاوى كان حنفي المذهب.
الامر الرابع: أن السلف الصالح عامة كانوا يطلقون المكروه على كراهة التحريم , وأحيانا كانوا يقصدون بها كراهة التنزيه ولكن كانوا أكثر ما يطلقونها على الشيء المحرم فكانوا يطلقون المكروه على الشيء المحرم تورعا إذ الأصل عندهم في كلمة مكروه هي للتحريم.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حصل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فقط، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث) انتهى.
وقال في بدائع الفوائد (وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه) انتهى.
فاذا كانت اكثر ما تستخدم للتحريم كما قال ابن القيم وانها قد – وقد تفيد التقليل- تستخدم للتنزيه أفمن العدل أن نحملها على التحريم أم على التنزيه؟ , أعتقد أن حملها على التحريم هو الصواب الذي لا يقول بخلافه عاقل , ويزيده أن لفظ الحديث المقصود ظاهر الدلالة على التحريم , ويزيده ايضا ما يظهر من كلام الطحاوي السابق انه كان عالما بمراد الحديث ولذلك حكم عليه بالشذوذ لمخالفة الاحاديث المبيحة لصيام السبت , فهذه القرائن الثلاثة توضح وضوحا لا مجال للشك فيه على ان ما قصده الطحاوي من كلمة الكراهة هي الكراهة التحريمية.
¥