وقال أيضا في إعلام الموقعين (فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال كذا وكذا، يقول من قال بهذا؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث أو يجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل دفع سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، هذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله ودعم عمله بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان. ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال: لا نعمل بحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نعرف من عمل به) انتهى.
وقال في كتاب الروح (فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله، بل اذهب إلى النص، ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك) انتهى.
الوجه الثاني: نقول ان من السلف من قال بظاهر الحديث هو راوي الحديث نفسه عبدالله ابن بسر , وهو ما أخرج الإمام النسائي في سننه الكبرى (3/ 213 برقم2785) من طريق معاوية بن يحي أبي مطيع، قال: حدثني أرطاة، قال: سمعت أبا عامر قال: سمعت ثوبان مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسئل عن صيام يوم السبت، قال: سلوا عبد الله بن بسر، قال: فسئل، فقال: (يوم السبت لا لك ولا عليك).
و لفظة (لا لك ولا عليك) لا تعني الجواز؛ ولهذا وضع الإمام النَّسائي هذا الأثر الموقوف تحت باب: (النهي عن صيام يوم السبت).
ثم إنَّ لفظة (لا لك ولا عليك) تشابه لفظ حديث: (مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر) صححه الألباني؛ مع أنَّ صيام الدهر منهيٌ عنه بنصِّ قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد) مسلم. وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا - وعقد تسعين) صححه الألباني.
قال العثيمين في شرح كتاب بلوغ المرام: (ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر , فلا صام نفي، والظاهر أنه خبر محض لا يُقصد به الدعاء والمعنى أنه لم يحصل على أجر الصوم فلا هو الذي حصل له الأجر بالصيام ولا الذي حصلت له الراحة بالفطر).
ثم ذكر الشيخ رحمه الله فوائد الحديث فقال: (النهي عن صوم الدهر واختُلف في العلة , قيل: لأنه سيصوم أيام التشريق والعيدين وإذا أفطرها فلا يصدق عليه أنه صام الأبد لأنه أفطر من الأبد خمسة أيام وحملوه على أن المراد من صام الأيام المحرمات لكنه ضعيف جدا ولا ينبغي أن يعول عليه لأن صيام الأيام المحرمة ممنوع وإن لم يصم الأبد. والصحيح أن من صام الأبد سوى الأيام المحرمة فلا يحصل له الثواب لأنه لا بد من ترك أشياء يقوم بها يمنعه الصيام من القيام بها كحق الزائر والبدن والأهل , لو نذر صيام الدهر كله فالنذر محرم لا يجوز الوفاء به فليفطر، وإذا أفطر فعليه الكفارة لأنه فوت ما نذر ... ولهذا كان الراجح أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين) انتهى.
قال الألبانى رحمه الله تعالى (عندما سئل راوي الحديث عن صيام يوم السبت فقال: صيام يوم السبت لا لك ولا عليك , فهدا أقتباس منه من قوله صلى الله عليه وسلم فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر , فهل تأمرون صائم الدهر أن يصوم , أم بأن يفطر؟ لا شك بأن القول بالإفطار. فما أظن أن القول بصيام الدهر صحيح لأن النبى صلى الله عليه وسلم , ذكر أنه صام مع العلم بقوله صلى الله عليه وسلم بمن صام الدهر لا صام ولا أفطر , كذلك فإن صيام الدهر مرجوح كذلك فعندما نعود إلى قول الراوي عن صيام يوم السبت لا صام ولا أفطر فماذا نفهم من هذا الحديث؟ هل نفهم منه أنه يحض على صيام يوم السبت أم على إفطاره؟ ونقول على أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أبلغ وأفصح وآكد للنهى من قول هذا الراوي , لكن الراوي تفنن في التعبير ولفت النظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم من صام الدهر فلا صام ولا أفطر تفنن فى التعبير أي ليس له أجر وليس له ثواب هذا الكلام من هذا
¥