تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قالوا: وينبغي أن يكون المفتي ظاهر الورع، مشهوراً بالديانة الظاهرة، والصيانة الباهرة.

وكان مالك - رحمه الله - يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول::لا يكون عالماً حتى يعمل في خاصَّةِ نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأثم".

وكان يحكي نحوه عن شيخه ربيعة.

فصل

شرط المفتي كونه مكلفاً مسلماً، وثقةً مأموناً متنزِّهاً عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيهَ النفس، سليمَ الذهن، رصينَ الفِكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظاً.

سواءٌ فيه الحرُّ والعبد والمرأة والأعمى، والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته.

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وينبغي أن يكون كالراوي في أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة، وجرّ نفع ودفع ضر، لأن المفتي في حكم مخبرٌ عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص، فكان كالراوي لا كالشاهد، وفتواه لا يرتبط بها إلزام بخلاف حكم القاضي.

قال: وذكر صاحب الحاوي أن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصاً معيناً صار خصماً حكماً معانداً، فتُردُّ فتواه على من عاداه كما ترد شهادته عليه.

واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه، ونقل الخطيب فيه إجماع المسلمين، ويجب عليه إذا وقعت له واقعة أن يعمل باجتهاد نفسه.

وأما المستور وهو الذي ظاهره العدالة ولم تختبر عدالته باطناً، ففيه وجهان: أصحهما: جواز فتواه ; لأنَّ العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة.

والثاني: لا يجوز كالشهادة، والخلاف كالخلاف في صحة النكاح بحضور المستورين.

قال الصيمري: وتصح فتاوى أهل الأهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، ونقل الخطيب هذا ثم قال: وأما الشرار والرافضة الذين يسبون السلف الصالح ففتاويهم مردودة وأقوالهم ساقطة.

والقاضي كغيره في جواز الفتيا بلا كراهة، هذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا، قال الشيخ: ورأيت في بعض تعاليق الشيخ أبي حامد أنَّ له الفتوى في العبادات، وما لا يتعلق بالقضاء، وفي القضاء وجهان لأصحابنا: أحدهما: الجواز; لأنه أهل، والثاني: لا ; لأنه موضع تهمة.

وقال ابن المنذر: تكره الفتوى في مسائل الأحكام الشرعية وقال شريح: أنا أقضي ولا أفتي.

فصل

قال أبو عَمرو: المفتون قسمان: مستقل وغيره، فالمستقل شرطُه مع ما ذكرناه:

1 - أن يكون قيماً بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما التحق بها على التفضيل، وقد فُصِّلَت في كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد.

2 - وأن يكون عالماً بما يشترط في الأدلة، ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه.

3 - عارفاً من علوم القرآن، والحديث، والناسخ والمنسوخ، والنحو واللغة والتصريف، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها.

4 - ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك.

5 - عالماً بالفقه ضابطاً لأمهات مسائله وتفاريعه.

فمن جمع هذه الأوصاف فهو المفتي المطلق المستقل، الذي يتأدى به فرض الكفاية، وهو المجتهد المطلق المستقل ; لأنه يستقل بالأدلة بغير تقليد وتقيد بمذهب أحد.

قال أبو عمرو: وما شرطناه من حفظه لمسائل الفقه لم يشترط في كثير من الكتب المشهورة ; لكونه ليس شرطاً لمنصب الاجتهاد ; لأن الفقه ثمرته فيتأخر عنه، وشرط الشيء لا يتأخر عنه، وشَرَطَه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وصاحبه أبو منصور البغدادي وغيرهما، واشتراطه في المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية هو الصحيح وإن لم يكن كذلك في المجتهد المستقل.

ثم لا يشترط أن يكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفيه كونه حافظاً المعظم، متمكناً من إدراك الباقي على قرب.

وهل يشترط أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟

حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه خلافاً لأصحابنا، والأصح اشتراطه.

ثم إنما نشترط اجتماع العلوم المذكورة في مُفتٍ مطلق في جميع أبواب الشرع، فأما مُفتٍ في باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب، كذا قَطَعَ به الغزالي وصاحبه ابن بَرهان -بفتح الباء- وغيرهما، ومنهم من منعه مطلقاً، وأجازه ابن الصباغ في الفرائض خاصة، والأصحُّ جوازه مطلقاً.

القسم الثاني: المفتي الذي ليس بمستقل، ومن دهر طويل عُدِم المفتي المستقل.

وصَارت الفتوى إلى المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة، وللمفتي المنتسب أربعة أحوال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير