تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ: لا يجوز لمفتٍ على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقل أن يكتفي بمصنَّفٍ ومصنفين ونحوهما من كتب المتقدمين وأكثر المتأخرين لكثرة الاختلاف بينهم في الجزم والترجيح ; لأن هذا المفتي المذكور إنما ينقل مذهب الشافعي، ولا يحصل له وثوق بأن ما في المصنفين المذكورين ونحوهما هو مذهب الشافعي، أو الراجح منه ; لما فيهما من الاختلاف.

وهذا مما لا يتشكك فيه من له أدنى أنس بالمذهب، بل قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذٌ بالنسبة إلى الراجح في المذهب، ومخالفٌ لما عليه الجمهور، وربما خالف نصَّ الشافعي أو نصوصاً له، وسترى في هذا الشرح إن شاء الله تعالى أمثلة ذلك، وأرجو إن تم هذا الكتاب أنه يستغنى به عن كل مصنّف ويعلم به مذهب الشافعي علماً قطعياً إن شاء الله تعالى.

الثامنة: إذا أفتى في حادثة ثم حدثت مثلها، فإن ذكر الفتوى الأولى ودليلها بالنسبة إلى أصل الشرع إن كان مستقلاً، أو إلى مذهبه إن كان منتسباً، أفتى بذلك بلا نظر، وإن ذكرها ولم يذكر دليلها ولا طرأ ما يوجب رجوعه، فقيل: له أن يفتي بذلك، والأصح وجوب تجديد النظر.

ومثله القاضي إذا حكم بالاجتهاد ثم وقعت المسألة، وكذا تجديد الطلب في التيمم، والاجتهاد في القبلة، وفيهما الوجهان.

قال القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر باب استقبال القبلة: وكذا العامي إذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له فليلزمه السؤال ثانياً يعني على الأصح قال: إلا أن تكون مسألة يكثر وقوعها ويشق عليه إعادة السؤال عنها، فلا يلزمه ذلك، ويكفيه السؤال الأول للمشقة.

التاسعة: ينبغي أن لا يقتصر في فتواه على قوله: في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي، ونحو ذلك، فهذا ليس بجواب، ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به، فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح، فإن لم يعرفه توقَّف حتى يظهر، أو يترك الإفتاء كما كان جماعة من كبار أصحابنا يمتنعون من الإفتاء في حنث الناسي.

فصل

في آداب الفتوى

فيه مسائل إحداها: يلزم المفتي أن يبين الجواب بياناً يزيل الإشكال، ثم له الاقتصار على الجواب شفاهاً. فإن لم يعرف لسان المستفتي كفاه ترجمة ثقة واحد ; لأنه خبر، وله الجواب كتابةً، وإن كانت الكتابة على خطر.

وكان القاضي أبو حامد كثير الهرب من الفتوى في الرِّقاع.

قال الصيمري: وليس من الأدب كون السؤال بخط المفتي، فأما بإملائه وتهذيبه فواسع، وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي قد يكتب السؤال على ورق له، ثم يكتب الجواب. وإذا كان في الرقعة مسائل فالأحسن ترتيب الجواب على ترتيب السؤال، ولو ترك الترتيب فلا بأس، ويشبه معنى قول الله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت)، وإذا كان في المسألة تفصيل لم يطلق الجواب فإنه خطأ.

ثم له أن يستفصل السائل إن حضر، ويقيد السؤال في رقعة أخرى ثم يجيب، وهذا أولى وأسلم، وله أن يقتصر على جواب أحد الأقسام إذا علم أنه الواقع للسائل، ويقول: هذا إذا كان الأمر كذا، وله أن يفصِّل الأقسام في جوابه، ويذكر حكمَ كلِّ قسم.

لكن هذا كرهه أبو الحسن القابسي من أئمة المالكية وغيره. وقالوا: هذا تعليم الناس الفجور.

وإذا لم يجد المفتي من يسأله فصَّل الأقسام واجتهد في بيانها واستيفائها.

الثانية: ليس له أن يكتب الجواب على ما علمه من صورة الواقعة إذا لم يكن في الرقعة تعرّض له، بل يكتب جواب ما في الرقعة، فإن أراد جواب ما ليس فيها فليقل: وإن كان الأمر كذا وكذا، فجوابه كذا.

واستحب العلماء أن يزيد على ما في الرقعة ما له تعلُّق بها. مما يحتاج إليه السائل لحديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

الثالثة: إذا كان المستفتي بعيد الفهم فليرفقْ به، ويصبر على تفهم سؤاله، وتفهيم جوابه، فإن ثوابه جزيل.

الرابعة: ليتأمل الرقعة تأملاً شافياً، وآخرُها آكد، فإن السؤال في آخرها، وقد يتقيد الجميع بكلمة في آخرها ويغفل عنها.

قال الصيمري: قال بعض العلماء: ينبغي أن يكون توقفه في المسألة السهلة كالصعبة ليعتاده، وكان محمد بن الحسن يفعله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير