تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما أحدهما فهو الدكتور المحقق صلاح الدين المنجد الذي ألحق «النصيحة» بكتابه: (شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين) ثم قال معلقاً عليها: «شك بعضهم في نسبة هذه النصيحة للذهبي، ولا شك عندنا أنها له، فقد نقلت مخطوطاتها من خط الذهبي، ولم ينكرها أحد من العلماء الذين نقلوها كتقي الدين بن قاضي شهبة وغيره. ثم إن هذا هو أسلوب (1) الذهبي عندما يُهاجم، ويبدو أنه كتبها في آخر عمره. ولم يثن أحد على الشيخ كثناء الذهبي عليه، لكنه انتقده بعد ذلك في بعض الأمور حباً له، وإشفاقاً عليه» (1).

وأما الآخر فهو الدكتور المحقق بشار عواد معروف، الذي قال في كتابه: (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) وهو يتحدث عن انفراد السخاوي بذكر بعض آثار الذهبي: « ... وهو الوحيد الذي أشار إلى رسالة الذهبي إلى ابن تيمية، مما وثق نسبتها إليه لا سيما وقد شك فيها غير واحد ... ».

ثم أوردها في عداد آثاره، ونقل كلام السخاوي الذي سقته لك آنفاً وقال: «وذهب بعضهم إلى القول بأنها مزورة، ولا عبرة بذلك» وكرر ذلك في مقدمته على (سير أعلام النبلاء) قائلاً: « .. وأرسل إليه نصيحته الذهبية التي يلومه وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها .. » (1).

وليس بخافٍ على مثل المحققين الفاضلين أن كون هذه «النصيحة» بخط ابن قاضي شهبة وأنه نقلها من خط البرهان بن جماعة (ت 790 هـ) وأن هذا نقلها من خط العلائي (ت 761 هـ)، وهو من خط الذهبي، لا يعني بحال انعدام احتمالات تبرىء الذهبي عن إنشائها فإنه يرد من ذلك ما لا نحتاج معه إلى مخالفة الأقرب إلى المعقول أو النيل من عرض أحد هؤلاء ونحت أثلته.

وهذه بعض الاحتمالات، التي كان من الممكن أن يُورداها تبرئة للذهبي رحمه الله تعالى، واعتذاراً عن ابن قاضي شهبة، وابن جماعة، والعلائي، وذلك قبل وقوفي على كتاب؛ محمد بن السراج الدمشقي:

1ـ يحتمل أن تكون من وضع أحد أعداء ابن تيمية ـ وما أكثرهم ـ وأن واضعها قلد خط الذهبي تقليداً محكماً ثم جعلها حيث يقع نظر العلائي عليها.

2ـ ويحتمل أن الذي زورها قلد خط العلائي، وأوقف البرهان بن جماعة عليها.

3ـ ويحتمل أن الخط المزور هو خط ابن جماعة، وأن الواهم هو ابن قاضي شهبة.

ثم ألم يلحظا أن هؤلاء الأعلام ـ فضلاً عن غيرهم ممن اطلع على النصيحة ـ لم يُعرف عنهم الإشارة إليها مستشهدين بها على تناقض حكم إمام في الجرح والتعديل؛ كالذهبي في الرجال الذين عاصرهم وجالسهم؟ فالنَّقَدَةُ من أقرانه وتلاميذه متوافرون، ولو أن عبد الوهاب السبكي (ت 771 هـ) وأمثاله وقعت إليهم لأعظموا الوَلْوَال.

هذا الحافظ العلائي رحمه الله، ينقد الذهبي عندما ترجم للأمير تنكز (ت 741 هـ) قائلاً: «لقد بالغ المصنف، وتجاوز الحدّ في ترجمته تنكز، وأين مثله؟ وأعرض عن محاسنه الطافحة .. » ثم قال: «ذنب تنكز أنه كان يحط كثيراً على ابن تيمية» (1) فلو أنه نسخ «النصيحة» لما أخلاها من تعليق مناسب، نقله ابن جماعة ومن بعده. أما شكّا هنيهة من سكوت السخاوي عن نقل فقرات منها في أي كتاب له على افتراض أنه قد رآها؟

تفسيري لما أفترضُ أنه وقع، والعلم عند الله تعالى:

بعد أن عثرت على كتاب ابن السراج الدمشقي، الذي أتهمه بكتابة «النصيحة»، ودرست كلامه، وتأملت «النصيحة»، خلصت إلى هذا التفسير الذي يقبله العقل، ولا تردُّه العادة.

لقد تأملت في كلمة وردت في نهاية مخطوطة «النصيحة» وهي هذه: «آخر الرسالة الذهبية نصيحة منه لابن تيمية» فظهر لي أنها مكمن الظن الخاطىء، الذي أدى إلى رمي الذهبي بإنشائها، وذلك أنه يُفهم من كتاب (التشويق) و (التفاح) لابن السراج أنه كان مولعاً بالسجع جداً، وأنه كان يُصدِّر رسائله بعناوين مسجوعة، وأنه في رسالته هذه، سار على المعهود من أمره، فكتب هذا العنوان (الرسالة الذهبية إلى ابن تيمية)، أو لعله كتب (رسالة ذهبية إلى ابن تيمية) على أن مراده من لفظ (الذهبية) الذهب المعروف، أي أنها في قيمة هذا المعدن الثمين فلما وقعت هذه الرسالة إلى الحافظ العلائي، حسب أن نسبة الذهب فيها إلى شيخه الحافظ الذهبي، وأداه المتبادر إلى الذهن، من هذه اللفظة إلى الذهول عن أن الخط ليس لشيخه، فاستنسخ منها لنفسه ثم تابعه من نسخها عنهُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير