تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقدم أن أشد موجبات رد الراوي كذبه في الحديث النبوي، ثم تهمته بذلك، وفي درجتها كذبه في غير الحديث النبوي، فإذا كان في الرواية والجرح والتعديل بحيث يترتب عليه من الفساد نحو مايترتب على الكذب في الحديث النبوي فهو في الدرجة الأولى، فالتهمة به في الدرجة الثانية أو الثالثة، وقد ذكر علماء الحديث بعد درجة الكذب في الحديث النبوي ودرجة التهمة به درجتين بل درجات ونصوا على أن من كان من أهل درجة من الأربع الأولى فهو ساقط البتة في جميع رواياته سواء منها ماطعن فيه بسببه وغيره.

والأستاذ يطعن في جماعة من أئمة السنة والموثقين من رواتها فيرمي بعضهم بتعمد الكذب وبعضهم بالتهمة بذلك ويجمع لبعضهم الأمرين يكذب أحدهم في خبر ويتهمه في آخر، ويجزم بأنهم متهمون في كل مايتعلق بالغض من أبي حنيفة وأصحابه ولو على بعد بعيد كما يأتي في ترجمة أحمد بن إبراهيم، ويصرح في بعضهم بأنهم مقبولون فيما عدا ذلك، فهل يريد أنهم عدول مقبولون ثقات مأمونون مطلقاً، ولايعتد عليهم بتكذيب الأستاذ ولا اتهامه لأنه خرق للاجماع في بعضهم ومخالف للصواب في آخرين، ولأن الأستاذ لم يتأهل للاجتهاد في الكلام في القدماء، ولأن كلامه فيهم أمر اقتضته مصلحة مدافعة اللامذهبية التي يقول: إنها قنطرة اللادينية! كما يقول بعض سلفه من المتكلمين: إن كثيراً من نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بصفات الله عز وجل ونحوها صريحة في الباطل مع علم الله عز وجل ورسوله بالحق في نفس الأمر ولكن دعت إلى ذلك مصلحة اجترار العامة إلى قبول الشريعة العملية () فإن كان هذا مراد الأستاذ فالأمر واضح وإلا فإن أراد بالقبول القبول على جهة الاستئناس في الجملة انحصر الكلام معه في دعوى الكذب والتهمة وسيأتي إن شاء الله تعالى. وإن أراد أنهم في مايتعلق بتلك الشجرة الممنوعة وهي الغض من أبي حنيفة وأصحابه كذابون ومتهمون وفيما عدا ذلك عدول مقبولون ثقات مأمونون، فهذا تناقض وخرق للاجماع فيما نعلم.

نعم هناك أمور قد يتشبث بها في دعوى اجتماع التهمة والعدالة وقد أشار الأستاذ إلى بعضها وسأكشف عنها إن شاء الله.

وينبغي أن يعلم أن التهمة تقال على وجهين:

الأول: قول المحدثين " فلان متهم بالكذب " وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده بدليل يصح الاستناد إليه أن الخبر لا أصل له وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي أتعمد الكذب أم غلط؟ فإذا تدبر وأنعم النظر فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزماً، وقد يميل ظنه إلى أحدهما إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به، فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: " متهم بالكذب " أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين رجلاً في حديث يزعم أنه تفرد به فيجد له بعض أهل العصر متابعات صحيحةً، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود لأنه إن تهيأ له إثبات بطلان الخبر وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتاً لاريب فيه فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به، ولا أن شيخه لم يروه قط ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به، بلى قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون لكن مع الاستناد إلى كلامهم كما يأبى في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت وترجمة محمد بن سعيد البورقي، وإن كان الأستاذ يخالف في ذلك فيصدق من كتبه الأئمة وكذبه واضح، كما يكذب أو يتهم من صدقوه وصدقه ظاهر، شأن المحامين في المحاكم معيار الحق عند أحدهم مصلحة موكله.

هذا والأستاذ فيما يهول بدعوى دلالة العقل والتواتر والنقل الراجح حيث لا ينبغي له دعوى ذلك، وليس من شأني أن أناقشه في كل موضع ولكني أقول: حيث تصح دعواه فلا يصح مابناه عليها من تكذيب الثقات واتهامهم، وحيث يلزم من صحة الدعوى صحة البناء.

فالدعوى غير صحيحة، وإنما كتبت هذا بعد فراغي من النظر في التراجم، وأسأل الله التوفيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير