تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: مقتضى اللغة، والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم وهو كما في (القاموس) " من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المترد فيه " والتهمة بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات مايظهر أن المخبر يحب أن يعتقد السامع ثبوته وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه وعلى من بينه وبينه نفرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يحمد عليه وإخباره عمن هو نافر عنه بما يذم عليه وقس على هذا كل مامن شأنه أن يدعو إلى الكذب وتلك الدواعي تخفى وتتفاوت آثارها في النفوس وتتعارض وتعارضها الموانع من الكذب وقد تقدمت الاشارة إليها في الفصل الخامس فلذلك اكتفى الشارع في باب الرواية بالاسلام والعدالة والصدق فمن ثبتت عدالته وعرف بتحري الصدق من المسلمين فهو على العدالة والصدق في أخباره لا يقدح في إخباره أن يقوم به بعض تلك الدواعي ولا أن يتهمه من لا يعرف عدالته أو لا يعرف أثر العدالة على النفس أو من له هوى مخالف لذلك الخبر فهو يتمنى أن لا يصح كما قال المتنبي:

شق الجزيرة حتى جاءني نبأ فزعتُ منه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع إلى صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

وكأنه أخذه من قول الأول:

إني أتتني لسان ماأسر بها من علو لا عجب فيها ولا سخر

جاءت مرجمة قد كنت أحذرها لو كان ينفعني الاشفاق والحذر

تأتي على الناس لا تلوي على أحدٍ حتى أتتنا وكانت دوننا مضر

إذا يعادُ له ذكر أكذّبه حتى أتتني بها الأنباء والخبر

وجماعة من الصحابة روى كل منهم فضيلة لنفسه يرون أن على الناس قبول ذلك منهم فتلقت الأمة ذلك بالقبول، وكان جماعة من الصحابة والتابعين يقاتلون الخوارج ثم روى بعض أولئك التابعين عن بعض أولئك الصحابة أحاديث في ذم الخوارج فتلقت الأمة تلك الأحاديث بالقبول، وكثيراً ماترى في تراجم ثقات الرواة من التابعين فمن بعدهم إخبار الرجل منهم بثناء غيره عليه فيتلقى أهل العلم ذلك بالقبول، وقبلوا من الثقة دعواه مايمكن من صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لأصحابه أو إدراكه لكبار الأئمة وسماعه منهم وغير ذلك مما فيه فضيلة للمدعي وشرفٌ له وداعٍ للناس إلى الاقبال عليه وتبجيله والحاجة إليه، ولم يكن أهل العلم إذا أرادوا الاستيثاق من حال الراوي يسألون إلا عما يَمَسُّ دينه وعدالته. ونص أهل العلم على أن الرواية في ذلك مخالفة للشهادة، وفي (التحرير) لابن الهمام الحنفي مع (شرحه) لابن أمير حاج ج3 ص245:" (وأما الحرية والبصر وعدم الحد في قذف) وعدم الولاد و) عدم (العداوة) الدنيوية (فتختص بالشهادة) أي تشترط فيها لافي الرواية ".

فأما الشهادة للنفس فمتفق على أنها لا تقبل، وأما الشهادة للأصل وللفرع وللزوج وعلى العدو ففيها خلاف، وفي بعض كتب الفقه أن الرد في ذلك لأجل التهمة وظاهر هذا أن التهمة هي العلة فيبنى عليها قياس غير المنصوص عليه، وهذا غير مستقيم، إذ ليس كل شاهد لنفسه حقيقاً بأن يتهم، ألا ترى أن كبار الصحابة وخيار التابعين لو شهد أحدهم لنفسه لم نتهمه ولاسيما إذا كان غنياً والمشهود به يسيراً كخمسة دراهم، والمشهود عليه معروفاً بجحد الحقوق.

أقول هذا لزيادة الايضاح وإلا فالواقع أننا لا نتهمهم مطلقاً حتى لو شهد أحدهم لنفسه على آخر منهم وأنكر ذاك لم نتهم واحداً منهما بل نعتقد أن أحدهما نسي أو غلط، وليس ذلك خاصاً بهم، بل كل من ثبتت عدالته لا يتهمه عارفوه الذين يعدلونه ولا الواثقون بتعديل المعدلين، فإن اتهمه غيرهم كان معنى ذلك أنه غير واثق بتعديل المعدلين، ومتى ثبت التعديل الشعري لم يلتفت إلى من لا يثق به، ولو كان لك أن تعدل الرجل وأنت لا تأمن أن يدعى الباطل ويشهد لنفسه زوراً بخمسة دراهم مثلاً، لكان لك أن تعدل من تتهمه بأنه لو رشاه رجل عشرة دراهم أو أكثر لشهدوا له زوراً، وهذا باطل قطعاً فان تعديلك للرجل إنما هو شهادة منك له بالعدالة، والعدالة " ملكة تمنع صاحبها من اقتراف الكبائر وصغائر الخمسة .. " فكيف يسوغ لك أن تشهد بهذه الملكة لمن تتهمه بما ذكر، ولو ك ان كل عدل حقيقاً بأن يتهمه عارفوه بنحو ماذكر لما كان في الناس عدل، وفي أصحابنا من لا نتهمه في شهادته ولو حصل له بسببها مائة درهم أو أكثر كأن يدعى صاحبنا على فاجر بمائة درهم فيجحده ثم تتفق للفاجر خصومة أخرى فيجئ إلى صاحبنا فيقول له

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير