تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنت تعرف هذه القضية فاحضر فاشهد بما تعلم، فيقول صاحبنا نعم أنا أعرفها ولكنك ظلمتني مائة درهم فأدها إليّ إن أردت أن أشهد، فيدفع له مائة درهم فيذهب فيشهد، فإننا لا نتهم صاحبنا في دعواه ولا شهادته، وفي أصحابنا من لو ائتمن على مئات الدراهم ثم بعد مدة ادعى مايحتمل من تلفها أو أنه ردها على صاحبها الذي قد مات لما اتهمناه، نعم قد يتهمه من لا يعرفه كمعرفتنا، أو من لا يعرف قدر تأثير الموانع عن الخيانة في نفس من قامت به، فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة فتراه يتهم العدول ولا يكاد يعرف عدالتهم ولو كانوا جيرانه.

فان قيل يكفي في التعليل أن ذلك مظنة ا لتهمة ولا يضر تخلفها في بعض الأفراد كما قالوا في قصر الصلاة في السفر انه لأجل المشقة وان تخلفت المشقة في بعض المسافرين كالملك المترفه، قلت العلة في قصر الصلاة هي السفر بشرطه لا المشقة فكذلك تكون العلة في رد الشهادة للنفس هي انها شهادة للنفس أو دعوى كما يومئ إليه حديث " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم .. " ().

فعلى هذا لا يتأتى القياس، ألا ترى أن في أعمال العمال المقيمين مامشقته أشد من مشقة السفر العادي، ذلك كالعمل في المناجم ونحوها ومع ذلك ليس لهم أن يقصروا الصلاة.

فإن قيل الشهادة للأصل والفرع مظنة للتهمة كما أن الشهادة للنفس مظنة للمشقة، بل المشقة فيه أشق وأغلب، والتهمة في الشهادة للأصل أو الفرع أضعف وأقل من التهمة في الشهادة للنفس، وقد يكون الرجل منفرداً عن أصله أو فرعه وبينهما عداوة.

والشافعي ممن يقول برد الشهادة للأصل والفرع ولم يعرج على التهمة ولكنه لما علم أن جماعة ممن قبله ذهبوا إلى الرد ولم يعلم لهم مخالفاً هاب أن يقول مالا يعلم له فيه سلفاً، فحاول الاستدلال بما حاصله أن الفرع من الأصل فشهادة أحدهما للآخر كأنها شهادة لنفسه ثم قال كما في (الأم) ج7 ص42:" وهذا مما لا أعرف فيه خلافاً " كأنه ذكر هذا تقوية لذلك الاستدلال واعتذاراً عما فيه من الضعف، ولما علم بعض حذاق أصحابه كالمزني وأبي ثور أن هناك خلافاً ذهبوا إلى القبول. وليس المقصود هنا إبطال القول برد الشهادة للأصل والفرع والزوج وإنما المقصود أن الاتدلال عليه بقياس مبنى على أن التهمة علة غير مستقيم.

فأما الشهادة على العدو فالقائلون أنها لا تقبل يخصون ذلك بالعداوة الدنيوية التي تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه فأما العداوة الدينية والدنيوية التي لم تبلغ ذاك المبلغ فلا تمنع من القبول عندهم. والمنقول عن أبي حنيفة كما في كتب أصحابه أن العداوة لا تقتضي رد الشهادة إلا أن تبلغ أن تسقط بها العدالة. أقول وإذا بلغت ذلك لم تقبل شهادة صاحبها حتى لعدوه على صديقه، ويقوي هذا القول أن القائلين بعدم القبول يشترطون أن تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، وهذا يتمنى أن يفرح لذبح أطفاله ظلماً والزنا ببناته وارتداد زوجاته ونحو ذلك وقس على ذلك الحزن لفرحه وهذا مسقط للعدالة حتماً، فإن قيل قد يفرح بذلك من جهة أنه يحزن عدوه، ومع ذلك يحزن من جهة مخالفته للدين، قلت: إن لم يغلب حزنه فرحه فليس بعدل، وإن غلب فكيف يظن به أن يوقع نفسه في شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر وفيها أعظم الضرر على نفسه في دينه، ولا يأمن من أن يلحقه لأجلها ضرر شديد في دنياه، كل ذلك ليضر المشهود عليه في دنياه ضرراً قد يكون يسيراً كعشرة دراهم وهبه صح الردّ بالعداوة مع بقاء العدالة فالقائلون بذلك يشترطون أن تكون عداوة دنيوية تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه وهذا لا يتأتى للاستاذ إثباته في أحد ممن يتهمهم لأنه إن ثبت انحرافهم عن أبي حنيفة وأصحابه وثبت أن ذلك الانحراف عداوة فهو عداوة دينية، وهب أنه ثبت في بعضهم أنها عداوة دنيوية فلا يتأتى للاستاذ إثبات بلوغها ذاك الحد، أي أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، وهبه بلغ فقد تقدم أن الرواية لا ترد بالعداوة.

هذا على فرض مجامعة ذلك للعدالة، وإلا فالرد لعدم العدالة.

وأما ماذكره الشافعي في أصحاب العصبية فالشافعي إنما عنى العصبية لأجل النسب كما هو صريح في كلامه وذلك أمر دنيوي وكلامه ظاهر في أنها بشرطها تسقط العدالة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير