تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا وأول من نسب إليه هذا القول إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وكان هو نفسه مبتدعاً منحرفاً عن أمير المؤمنين علي متشدداً في الطعن على المتشيعين كما يأتي في القاعدة الآتية، ففي (فتح المغيث) ص142، " بل قال شيخنا إنه قد نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي فقال في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل: ومنهم زائغ عن الحق، صدوق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه، لكنه مخذول في بدعته، مأمون في روايته، فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخد من حديثهم مايعرف وليس بمنكر إذا لم تقو به بدعتهم فيتهمونه بذلك ".

والجوزجاني فيه نصب، وهو مولع بالطعن في المتشيعين كما مر، ويظهر أنه إنما يرمي بكلامه هذا إليهم، فإن في الكوفيين المنسوبين إلى التشيع جماعة أجلة اتفق أئمة السنة على توثيقهم وحسن الثناء عليهم وقبول رواياتهم وتفضيلهم على كثير من الثقات الذين لم ينسبوا إلى التشيع حتى قيل لشعبة: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشيعة، الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت ومنصور. راجع تراجمع هؤلاء في (تهذيب التهذيب) فكأن الجوزجاني لما علم أنه لا سبيل إلى الطعن في هؤلاء وأمثالهم مطلقاً ح اول أن يتخلص مما يكرهه من مروياتهم وهو مايتعلق بفضائل أهل البيت، وعبارته المذكورة تعطي أن المبتدع الصادق اللهجة المأمون في الرواية المقبول حديثه عند أهل السنة إذا روى حديثاً معروفاً عند أهل السنة غير منكر عندهم إلا أن مما قد تقوى به بدعته فإنه لا يؤخذ وأنه يتهم. فأما اختيار أن لا يؤخذ فله وجه رعاية للمصلحة كما مر، وأما أنه يتهم فلا يظهر له وجه بعد اجتماع تلك الشرائط إلا أن يكون المراد أنه قد يتهمه من عرف بدعته ولم يعرف صدقه وأمانته ولم يعرف أن ذاك الحديث معروف غير منكر فيسئ الظن به وبمروياته، ولا يبعد من الجوزجاني أن يصانع عما في نفسه باظهار أنه إنما يحاول هذا المعنى فبهذا تستقيم عبارته، أما الحافظ ابن حجر ففهم منها معنى آخر، قال في (النخبة وشرحها):

" الأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي مايقوي مذهبه فيرد على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي " وسيأتي الكلام معه إن شاء الله تعالى. ولابن قتيبة في كتاب (تأويل مختلف الحديث) كلام حاصله أن المبتدع الصادق المقبول لا يقبل منه مايقوي بدعته، ويقبل منه ماعدا ذلك قال:" وإنما يمنع من قبول قول الصادق فيما وافق نحلته وشاكل هواه أن نفسه تريه أن الحق فيما اعتقده وأن القربة إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه، ولا يؤمن مع ذلك التحريف والزيادة والنقص " كذا قال، واحتج بأن شهادة العدل لا تقبل لنفسه وأصله وفرعه، وقد مر الجواب عن ذلك، ولا أدري كيف ينعت بالصادق من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص؟ وإنما يستحق النعت بالصادق من يوثق بتقواه وبأنه مهما التبس عليه من الحق فلن يلتبس عليه أن الكذب بأي وجه كان مناف للتقوى، مجانب للإيمان.

ولا ريب أن فيمن يتسم بالصلح من المبتدعة وكذا من أهل السنة من يقع في الكذب إما تقحماً في الباطل، و إما على زعم أنه لا حرج في الكذب في سبيل تثبيت الحق، ولا يختص ذلك بالعقائد بل وقع فيما يتعلق بفروع الفقه وغيرها كما يعلم من مراجعة كتب الموضوعات،وأعداء الإسلام، وأعداء السنة يتشبثون بذلك في الطعن في السنة كأنهم لا يعلمون أنه لم يزل في إخبار الناس في شؤون دنياهم الصدق والكذب، ولم تكن كثرة الكذب بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء ويبنون عليه أموراً عظاماً، ولم يزل الناس يغشُون الأشياء النفيسة ويصنعون مايشبهها كالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والسمن والعسل والحرير والخّز وغيرها، ولم يُحل ذلك دون معرفة الصحيح، والخالق الذي هيأ لعباده مايحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد، وعنايته بحفظ الدين أشد وآكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا قال الله عز وجل: [وماخلق الجنّ والإنس إلا ليعبدون].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير