" وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح، من ك ان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث، وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه.
فوثق رجلاً ضعفه قبل التوثيق، ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ فإنه من غلاة الشيعة بل نسب إلى الرفض فيتأنى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد ويلتحق بذلك مايكون سببه المنافسة في المراتب فكثيراً مايقع بين العصريين الاختلاف والتباين وغيره فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل ".
أقول: قول ابن حجر:" ينبغي أن يتوقف " مقصوده كما لا يخفى التوقف على وجه التأني والتروي والتأمل، وقوله:" فهذا إذا عارضه مثله ... قبل التوثيق " محله ماهو الغالب من أن لا يلزم من إطراح الجرح نسبةُ الجارح إلى إفتراء الكذب، أو تعمد الحكم بالباطل، أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوعه، فأما إذا لزم شيء من هذا فلا محيص عن قبول الجرح إلا أن تقوم بينة واضحة تثبت تلك النسبة.
وقد تتبعت كثيراً من كلام الجوزجاني في المتشيعين فلم أجده متجاوزاً ا لحد، وإنما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهباً سيئاً وبدعة ضلالة وزيغاً عن الحق وخذلاناً، فيطلق على المتشيعين مايقتضيه اعتقاده كقوله " زائغ عن القصد ـ سيء المذهب " ونحو ذلك، وكلامه في الأعمش كان يتشيع ويدلس وربما دلس عن الضعفاء وربما كان في ذلك ماينكر، وهكذا كلامه في أبي نعيم، فأما عبيد الله بن موسى فقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره بأشد من كلام الجوزجاني، وتكلم الجوزجاني في عاصم بن ضمرة وقد تكلم فيه ابن المبارك و غيره وا ستنكروا من حديثه مااستنكره الجوزجاني، راجع (سنن البيهقي) ج3 ص51 غاية الأمر أن الجوزجاني هول،وعلى كل حال فلم يخرج من كلام أهل العلم، وكأن ابن حجر توهم أن الجوزجاني في كلامه في عاصم يُسِرحَسوا في ارتغاء، وهذا تخيل لا يلتفت إليه.
وقال الجوزجاني في يونس بن خباب " كذاب مقتر" ويونس وإن وثقه ابن معين فقد قال البخاري " منكر الحديث " وقال النسائي مع ماعرف عنه " ليس بثقة " واتفقوا على غلو يونس ونقلوا عنه أنه قال: إن عثمان بن عفان قتل ابنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأنه روى حديث سؤال القبر ثم قال: ههنا كلمة أخفاها الناصبة، قيل له: ماهي؟ قال: انه ليسأل في قبره: من وليّك؟ فإن قال: عليٌ نجا
فكيف لا يعذر الجوزجاني مع نصبه أن يعتقد في مثل هذا أنه كذاب مفتر؟
وأشد مارأيته للجوزجاني ماتقدم عنه في القاعدة الثالثة من قوله " ومنهم زائغ عن الحق .. "
وقد تقبل ابن حجر ذلك على مافهمه من معناه وعظّمه كما مر، وذكر نحو ذلك في (لسان الميزان) نفسه ج1ص11 وإني لأعجب من الحافظ ابن حجر رحمه الله يوافق الجوزجاني على مافهمه من ذلك ويعظمه مع مافيه من الشدة والشذوذ كما تقدم، ويشنع عليه ههنا ويهول فيما هو أخف من ذلك بكثير عندما يتدبر. والله المستعان.
5 ـ هل يشترط تفسير الجرح؟
اعلم أن الجرح على درجات الأولى المجمل وهو م الم يبين فيه السبب كقول الجارح " ليس بعدل "، " فاسق " ومنه على ماذكره الخطيب في (الكفاية) ص108 عن القاضي أبي الطيب الطبري قول أئمة الحديث " ضعيف" أو " ليس بشيء" وزاد الخطيب قوله " ليس بثقة".
الثانية: مبين السبب، ومثل له بعض الفقهاء بقول الجارح " زان " و " سارق "، " قاذف".
ووراء ذلك درجات بحسب احتمال الخلل وعدمه فقوله:" فلان قاذف" قد يحتمل الخلل من جهة أن يكون الجارح أخطأ في ظنه أن الواقع قذف، ومن جهة احتمال أن يكون المرمى مستحقاً للقذف، ومن جهة احتمال أن لا يكون الجارح سمع ذلك من المجروح وإنما بلغه عنه، ومن جهة أن يكون إنما سمع رجلاً آخر يقذف فتوهم أنه الذي سماه، ومن جهة احتمال أن يكون المجروح إنما كان يحكي القذف عن غيره، أو يفرض أن قائلاً قاله فلم يسمع الجارح أول الكلام، إلى غير ذلك من الاحتمالات، نعم إنها خلاف الطاهر ولكن قد يقوى المعارض جداً فيغلب على الظن أن هناك
¥