قال ابن برى: وجدت هذا البيت المنسوب آلي عمر بن أبى ربيعة فى شعر أبى عيينة محمد ابن أبى صفرة. . . ".
والحاصل أن قولهم: ماء مالح – ثابت عن العرب الفصحاء نصا، وثابت قياسا، لكن أكثر ما يقولون: ملح – ولما غلب على ألسنة الناس فى عصر الشافعى: مالح. أتى بها الشافعى فى كتبه لأنه كان يتحرى التقريب ألى أفهام الناس كما يأتى عن صاحبه الربيع، ومع هذا فقد شهد جماعة للشافعى بأنه من الفصحاء اللذين يحتج بقولهم فيكون قوله حجة على صحة الكلمة، فإن نتازلنا وسلمنا أن الشافعى مختلف فى فصاحته قلنا فالكلمة مختلف فى صحتها، فحقها إن لم يقم دليل على صحتها أن لا يحتج على صحتها باستعمال الشافعى لها، ولا يطعن فى فصاحته لاستعماله لها للاختلاف فى الأمرين، فكيف إذا قام الدليل على صحة الكلمة من غير قوله، وقام الدليل على فصاحته؟ !
الثامنة: قال: " وقوله ثوب نسوى لفظة عامية ". أقول: هذا أيضا لم يذكر ما أثبته عن الشافعى، ثم إن كان نسبة إلى النساء فهو الصواب كما قال سيبويه وغيره، وإن كان نسبة إلى (نسا) وهى البلدة المعروفة فهو القياس، وقول ياقوت: " والنسبة الصحيحة إليها نسائى وقيل نسوى أيضاً وكان الواجب كسر النون " فيه ما فيه.
التاسعة قال: " وقوله: العفريت – بالفتح – مما لم يقله أحد ".
اقول: ولا قاله الشافعى فيما نعلم، ولو قاله لعددناها لغة لبعض العرب.
العاشر: قال: " وقوله: اسليت الكلب – بمعنى زجرنه، خطأ صوابه أن ذلك بمعنى أغريته كما قال ثعلب وغيره " أقول: لم يكف هذا الأنوك (1) أن كذب على الشافعى حتى على ثعلب وغيره، والموجود فى كتب الشافعى استعماله بمعنى الإغراء، وثعلب إنما زعم أنه بمعنى أن تدعوه إليك، قال: فأما الإغراء فإنما يقال: آسدته ". وصحيح غيره مجيئه فى المعنيين.
العاشرة: قال: " وقوله فى (مختصر المزنى): وليست الأذنان من الوجه فيغسلان – والصواب: فيغسلا ".
أقول: عليه فى هذه أمور:
الأول أ، النصب فى مثل مرجوح أو ممتنع وفى (الهمع) ج2 ص12: " وإن تقدمت جملة اسمية نحو: ما زيد قائم فيحدثنا – فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب لأن الإسمية لا تدل على المصدر " وذهب طائفة إلى جوازه، وقال أبو حيان: الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور. . .، فإن قيل: فإن " ليس " فعل، قلت: جامد لا يدل على المصدر، فأما دلالته على النفى فكدلالة " ما ". بل قال جماعة: إن النصب بعد الفاء لايجب بحال قال الرضى فى (شرح الكافية) ج2ص245: وقد يبقى مابعد فاء السببية على رفعة قليلاً كقوله تعالى: " ولا يؤذن لهم فيعتذرن " وقوله – ألم تسأل الربع القواء فينطق – وقوله – لم تدر جزع عليك فتجزع – جاء جميع هذا علىالأصل ومعنى الرفع فيه كمعنى النصب لو نصب. . . جاز لك أن لاتصرف فى المواضع المذكورة إلى النصب اعنمادا على ظهور المعنى ". ومع هذا فقد جاء إهمال " أن " مضمرة وظاهرة وعد ابن هشام من الأول قول الله عز وجل: {أفغير الله تأمرونّى أعبد} وقوله: {ومن آياته يريكم البرق} ومن الثانى قراءة ابن محيصن: {لمن أراد أ، يتم الرضاعة} برفع الميم. وفى
(الهمع) ج2ص3 " قال الرؤاسى من الكوفيين: فصحاء العرب ينصبون (بأن) وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها ".
الثانى: أن المزنى لم يسق عبارات الشافعى بنصها، فقد قال أول (المختصر) " اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن ادريس الشافعى رحمه الله ومن معنى قوله لأقربه على من أراده "
(1) أي الأحمق. ن.
وربما صرح بعض ما ينقله عن الشافعى إلى بعض كتبه المطبوعة فى (الأم) فإذا قوبلت العبارتين وجدتا فى اللفظ. فقول المعترض " وقوله. . . . " يعنى الشافعى – مجازفة.
الثالث: أن النساخ لم يزالوا من قديم الزمان يخطون ويزيدون وينقصون ويغيرون فنسبة عدم حذف النون إلى المزنى يتوقف على وجودهما فى النسخة آلتي بخطه أو على نص ثقة سمع منه أنه قالها.
¥