تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات، يدل على حكمته وإتقان صنعته، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلي النظر فيه فقال سبحانه تعالى: (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.

أما الطريق الثاني لمعرفة ربوبية الله على خلقه وانفراده بتدبير ملكه، فهو التفكر في آياتة المسموعة وكلماته المقروءة التي وردت في كتاب الله كما قال جل في علاه: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24، وقال سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِليْكَ مُبَارَكٌ ليَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَليَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلبَابِ)، فالله عز وجل جعل الآيات الكونية المرئية في الآفاق وفي النفس البشرية، جعلها دليلا على صدق الآيات القرآنية والنبوية فقال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُل شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُل شَيْءٍ مُحِيطٌ).

أما الأمر الثاني: اللازم للإنسان في عقد التوحيد وأخذ العهد على العبيد عند شهادتهم ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه، أن يعلم الإنسان ما جاءت به الرسالة السماوية من أحكام شرعية وهداية دينية، فالله عز وجل بعد أن علم آدم الأسماء كلفه بافعل ولا تفعل فقال: (يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شئتمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالمِينَ) وبعد أن أنزله من السماء كلفه أيضا بافعل ولا تفعل فقال: (اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًي فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَي وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَي قَال رَبِّ لمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَال كَذَلكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلكَ اليَوْمَ تُنسَي) طه/123: 126.

وهكذا لا يكلف الله عبيده أمرا ولا يكتب عليهم وزرا، إلا إذا بلغ العبد سن الاحتلام واستوعب المعني الذي ورد في الكلام، وأدرك شيئا من رسالة الإسلام، فقد ثبت مرفوعا أنه قد رُفِعَ القَلمُ عَنْ الغُلامِ حتى يَحْتَلمَ، وعن النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ المَعْتُوهِ حتى يَعْقِل، وقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا).

واعلم عبد الله أن الرسالة السماوية جاءت بأحكام شرعية تسمي أحكام العبودية، يجب على كل مسلم نطق بلا إله إلا الله أن يسأل عنها، وأن ينفذ ما علم منها، وهي خمسة أحكام احفظها واسأل أهل العلم عنها، وهي الواجبات والمحرمات، ثم بعد ذلك المستحبات والمكروهات، ثم ما خيرنا الله فيه من أنواع المباحات، فالعلم بالإرادة الشرعية المتمثلة في أحكام العبودية من وظائف أجهزة الإدراك البشرية، فجهاز الإدراك في الإنسان يمد القلب بالعلم وما ورد من أدلة الحكم، فالقلب هو محل الإرادة في الإنسان، والمؤمن إرادته مطابقة لما ورد في القرآن، ومن ثم تتحرك الأبدان في طاعة الله عز وجل.

وكلما ازداد المسلم علما بالله كلما علت خشيته وازدادت محبته، وظهرت سكينته وبانت حكمته وتواضع لخلق الله، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، (إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ) فاطر/28، وقال النبي صلي الله عليه وسلم: ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير