تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وَلقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا زِلتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلكَ قُلتُمْ لنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) غافر، وقوم صالح (قَالُوا يَا صَالحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْل هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِليْهِ مُرِيبٍ) هود، وقال تعالى (وَقَوْلهِمْ إِنَّا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ رَسُول اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لهُمْ وَإِنَّ الذِينَ اخْتَلفُوا فِيهِ لفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)، فالآية دلت على أن اليقين ينفي الشك والظن، فالشك أن يكون عدم ثبات الأمر في القلب مستويا مع ثباته.

أما الظن فهو زيادة التصديق على التكذيب في القلب، حتى لو امتلأ القلب بالتصديق لكن بقي من التكذيب شيء يسير، فإنه يسمي ظنا ولا يبلغ حد اليقين، كما في موقف المشركين والكافرين من يوم القيامة، فإن تصديقهم به في قرارة أنفسهم أرجح عندهم من التكذيب، كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيل إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (الجاثية/32)، فلما انتقلوا إلي ربهم ورأوا العذاب بأبصارهم، اعترفوا بذنبهم، وندموا على ظنهم، وتمنوا العودة إلي الدنيا ليبلغوا علم اليقين، فقال تعالى في شأنهم: (وَلوْ تَرَي إِذْ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالحًا إِنَّا مُوقِنُون).

ومن حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه، أنه سأل عائشة رضي الله عنها، عن قول الله تعالى: (حتى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) (يوسف/110)، قُلتُ: يأم المؤمنين أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالتْ: عَائِشَةُ رضي الله عنها كُذِّبُوا، قُلتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، قَالتْ: أَجَل لعَمْرِي لقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلكَ، فَقُلتُ لهَا: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ - يعني هل ظنوا أن الله خذلهم ولم ينصرهم على أعدائهم - قَالتْ: مَعَاذَ الله، لمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلكَ بِرَبِّهَا، قُلتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟، قَالتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُل الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، فَطَال عَليْهِمُ البَلاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ، حتى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ الله عِنْدَ ذَلكَ.

فاليقين ينفي الوهم والشك والظن، فإذا صدقت بقلبك تصديقا جازما كاملا لا مجال للتكذيب فيه، فإن ذلك يسمي يقينا، وهو المسمي علم اليقين في قول الله تعالى: (كَلا لوْ تَعْلمُونَ عِلمَ اليَقِينِ لتَرَوْنَ الجَحِيمَ) التكاثر، وهو شرط لا إله إلا الله، فإذا أخبرك الله عن شيء فلن تدخل في الإسلام إلا بهذا اليقين، أن يصدق المسلم تصديقا كاملا، يمحو التكذيب من القلب محوا شاملا.

وكما قال عَبْد الله بْنَ رَوَاحَةَ:

وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كِتَابَهُ: إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانَا الهُدَي بَعْدَ العَمَي فَقُلُوبُنَا: بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَال وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ: إِذَا اسْتَثْقَلتْ بِالمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ

وقد يطلق اليقين على الظن في بعض المواطن من القرآن، على اعتبار أن التصديق والتثبت يزداد شيئا فشيئا، ويقل التكذيب أيضا شيئا فشيئا حتى يصل التثبت إلي منتهاه، فيمتلأ القلب تصديقا فيكون يقينا، كما في قول الله تعالى: (كَلا إِذَا بَلغَتْ التَّرَاقِي وَقِيل مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ) (القيامة/28:26).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير