تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذلك فإن اليقين يرد بمعني الموت على اعتبار أن التثبت منه كائن في جميع القلوب وإن تغافل الناس عنه، كقوله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ) (الحجر/99)، فاليقين هنا هو الموت، وعن أم العلاء رضي الله عنها وهي امرأة من الأنصار أنها قالت في عثمان بن مظعون رضي الله عنه حين موته: (رَحْمَةُ اللهِ عَليْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَليْكَ، لقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَال النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَهُ، فَقُلتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُول اللهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَال: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لهُ الخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي، قَالتْ: فَوَاللهِ لا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا.

فالمسلم لا يكون مسلما إلا باليقين ولا يخرج عن اليقين ولا ينزل إلي درجة الظن أو الشك أو الوهم، لأنه إن اتصف بشيء مما ينافي اليقين، انتفي شرط من شروط لا إله إلا الله، ولكن ربما يضعف نور اليقين في قلب المسلم، فيكون اليقين ضعيف الإضاءة لديه، ولذلك كان خوف النبي صلي الله عليه وسلم عليه فقال: (ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين)، فاليقين نور في القلب إذا سكن وتمكن أبصر المسلم حقائق الأمور بذلك النور.

ومن هنا كان تصنيف اليقين في القلب على ثلاث درجات متتالية، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، فالأولي كعلمك بوجود العسل وعين اليقين كرؤيتك له، وحق اليقين كشربك منه:

أولها: فعلم اليقين: وقد ورد في قوله تعالى: (أَلهَاكُمْ التَّكَاثُر – والتكاثر هو جمع متاع الدنيا - حتى زُرْتُمْ المَقَابِر - تنبيها على أن الزائر لابد أن ينتقل عن مزاره فهو تنبيه على الموت والبعث - كَلا سَوْفَ تَعْلمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلمُونَ كَلا لوْ تَعْلمُونَ عِلمَ اليَقِينِ لتَرَوْنَ الجَحِيمَ) (التكاثر/ 6:5) فعلم اليقين هو العلم الذي يصل به صاحبه إلي حقائق الأمور بنفي الوهم والشك والظن، فلا يماري في صحتها ولا يرتاب في ثبوتها، كعلم اليقين بالجنة والنار، وتيقنه أن الجنة دار المتقين ومقر المؤمنين، وأن النار دار الكافرين ومقر المشركين وأن الرسل أخبروا بها عن ربهم، وأنهم بينوا للناس أمرهم، فهذه الدرجة تسمي علم اليقين.

إما الدرجة الثانية لليقين: فهي عين اليقين، وهي درجة الرؤية والمشاهدة كما قال تعالى: (ثُمَّ لتَرَوْنَهَا عَيْنَ اليَقِينِ)، وبين هذه الدرجة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة، فاليقين للسمع وعين اليقين للبصر، فليْسَ الخَبَرُ كَالمُعَايَنَةِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل أَخْبَرَ مُوسَي بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي العِجْل فَلمْ يُلقِ الأَلوَاحَ، فَلمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلقَي الأَلوَاحَ فَانْكَسَرَتْ، وهذه المرتبة هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموتي ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين، فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة ويطمئن برؤية الحقيقية.

وفي حديث حارثة بن مالك الأنصارى أنه مر برسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا حقا قال انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلي عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلي أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلي أهل النار يتضاغون فيها فقال يا حارثة عرفت فالزم ثلاثا، ومن وصل الي هذا استلان ما يستوعره المترفون وأنس مما يشتوحش منه الجاهلون، ومن لم يثبت قدم يقينه على هذه الدرجة فهو ضعيف اليقين، وعلامة اليقين انشراح الصدر بذكر الله، وطمأنينة القلب لأمر الله، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت وظلمة القبور، وهذه هي الحالة التي كانت تحدث للصحابة الأخيار إذا ذكرهم النبي صلي الله عليه وسلم بالجنة أو النار، فقد روي الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلةَ الأُسَيِّدِيِّ قَال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير