تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلموا أيها المخلصون أن الله إذا ضيق الرزق على إنسان فلا يعني ذلك أنه مهان، فالفقير لا يهان إلا باعتراضه على المقسوم من قدره، أو خجله من فقره وحسده وحقده، يحقد الفقير على الأغنياء ويعترض على مر القضاء (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْله) (النساء:54) فالحسد داء ليس له دواء، إلا الرضا بالقضاء.

فوجب على الموحدين أن يتمنوا السعادة للآخرين، وأن يسألوا رب العالمين، أن يمنحهم من فضله وعطائه ومدده ونعمائه، فمن ابتلاه الله بالفقر فلم يصبر على بلواه، لم يأخذ إلا ما قدره الله، وسوف يهان في الدنيا والآخرة، سيجمع بين التعاستين، ويهينه الله مرتين، مرة في الدنيا بحقده وحرمانه ومرة في الآخرة بعذابه وكفرانه، فالفقير الصابر له أسوة في رسول الله ?، نشأ يتيما في لوعة اليتم فآواه الله ورعاه، وحنن عليه القلوب بعد أن أمات أباه، ربط الحجر على بطنه ? من شدة الجوع، ومات ولده وقرة عينه حتى سالت من عينه الدموع، وأدماه قومه وطال نومه على الحصير، حتى أثر في جنبه وعمر رضي الله عنه يبكي ويعجب، ويقول ويتعجب: كسري وقيصر في الثمار والأنهار، ورسول الله يطوي بطنه بالليل والنهار، كل هذا حدث له وهو صاحب المقام واللواء، وإمام الأنبياء وسيد الشفعاء عليه أفضل الصلاة والسلام.

فالإخلاص يوجب على العبد أن يوحد الله في أوصاف الربوبية، فإذا ظلم العبد نفسه وخلع رداء العبودية، لينازع ربه في وصف الربوبية، أو يشاركه في العلو والكبرياء، وعظمة الأوصاف والأسماء، فليس للظالم إلا الشقاء والحرمان، ودوام العذاب في النيران، (يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَل في الحديث القدسي: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ)، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ? في الحديث الذي رواه الإمام مسلم قَال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)، فإن لم تكن عبدا لربك تعتقد أنك وما خولك وملكك خالصا له خاضعا لأمره، فإنك تطمع إلي تأليه نفسك والخروج عن وصفك، فتدعي لنفسك ما ادعاه فرعون من أوصاف الربوبية.

فأين الإخلاص والتوحيد الذي أمر الله به نبيه ? فقال له: (إِنَّا أَنزَلنَا إِليْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلصًا لهُ الدِّينَ أَلا للهِ الدِّينُ الخَالصُ) (الزمر:2) وأمرنا أن نتأسي به فقال: (هُوَ الحَيُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ) (غافر:65) وقد جعل الله طريقا واحدا للنجاه، هو السبيل لمن أراد الخلاص في دنيه ودنياه، ألا وهو طريق الإخلاص والتوحيد، فأي عمل لا يقبل عند الله إلا بشرطين اثنين:

1 - الشرط الأول: هو الإخلاص لله بتوحيد الحق ونبذ الشرك، وهذا تفسير الركن الأول من شهادة التوحيد وقول العبد أشهد ألا إله إلا الله، يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلكَ لمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَل ضَلالا بَعِيدًا) (النساء:116) وقد ورد في تفسير الركن الأول من شهادة الإسلام – أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله – ورد حديث قدسي رواه الإمام مسلم 2985 عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبي ? قال: قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتعالي: (أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه).

2 - أما الشرط الثاني في قبول العمل: فهو اتباع الرسول ? وعدم الابتداع، وهذا هو معني الركن الثاني من شهادة التوحيد وقول العبد: أشهد أن محمدا رسول الله، وقد ورد أيضا في تفسير هذا الركن حديث نبوي رواه الإمام مسلم 1718 عن عَائِشَةَ عن النبي ? قَال: (مَنْ عَمِل عَمَلا ليْسَ عَليْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).

• واعلم عبد الله أن الإخلاص يمنع نوعين من الرياء:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير