تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(1 - النوع الأول: هو الرياء الأكبر نعوذ بالله منه وهو النفاق الذي المخرج عن الملة كما كان شأن المنافقين، أيام سيد الأنبياء والمرسلين، كعبد الله بن أبي بن سلول وفرقته، فإنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر والفسوق والعصيان، وقد بين الله شأنهم في القرآن فقال: (وَالذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (النساء:38) فهؤلاء أبعد ما يكون عن وصف المخلصين: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلي الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالي يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَليلا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلكَ لا إِلي هَؤُلاءِ وَلا إِلي هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلل اللهُ فَلنْ تَجِدَ لهُ سَبِيلا) (النساء:143) وهذا الرياء من أعظم الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل من النار.

(2 - النوع الثاني من الرياء: الرياء الأصغر ومثاله التصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة أخرى، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة ثالثه، فلله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب، وهذا هو الشرك الخفي وهو لا يخرج من الملة كالشرك الأكبر الجلي ولكنه ينقص ثواب العمل وقد يحبطه إذا ازاد واستفحل، لقول الله في الحديث القدسي الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ عن النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: (أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه).

روي أبو نعيم في حلية الأولياء أن الأمير عمر بن هبيرة الذي ولي إمارة العراق في عهد أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان أرسل إلي أبي سعيد الحسن البصري وإلي أبي عمر الشعبي واستضافهما شهرا وفي ذات يوم دخل عليهما وهو يتوكأ على عصاه، ثم جلس معظما لهما، وقال للحسن البصري والشعبي: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يرسل إلي كتبا وأوامر، أعرف أن في تنفيذها الهلكة، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله عز وجل، فهل تجداني لي معه فرجا ومخرجا؟

فقال الحسن البصري: يا أبا عمرو أجب الأمير؟ فتكلم الشعبي بكلام فيه نفاق، بأن يفعل ما يرضي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك وواليه عمر بن هبيرة، فقال عمر: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: أيها الأمير، قد قال الشعبي ما قد سمعت، فعاد عمر بن هبيرة كلامه وقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد، فقال: أقول يا ابن هبيرة، يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى، فظ غليظ لا يعصى الله ما أمره، فيخرجك من سعة قصرك إلي ضيق قبرك، يا عمر بن هبيرة، إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك، ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله عز وجل، يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك نظرة مقت وأنت تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك، فيغلق بها باب المغفرة دونك، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة، كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة، أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة، يا ابن هبيرة إني أخوفك مقاما، خوفكه الله، فقال:

(ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (ابراهيم: من الآية14) يا ابن هبيرة، إن تك مع الله تعالى في طاعته، كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله، وكلك الله إليه، فبكي عمر بن هبيرة وقام بعبرته، فلما كان من الغد أرسل إليهما بجائزة، فكانت جائزة الحسن البصري أكبر من جائزة الشعبي، فخرج الشعبي إلي المسجد يصيح: يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما قال الحسن البصري للأمير شيئا أجهله، ولكني أردت وجه الأمير ولم أخلص لله فأقصاني الله منه.

فتعس عبد الدينار وعبد الدرهم، روي البخاري 2887 من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ? أنه قال: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ طُوبَي لعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيل اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنِ اسْتَأْذَنَ لمْ يُؤْذَنْ لهُ وَإِنْ شَفَعَ لمْ يُشَفَّعْ).

ومن علامات الإخلاص محبة الخير للغير والقيام على خدمتهم لوجه الله إنما نطعمكم، لأن المخلص لا يحقد على أحد، ولا يحسد أحد فلا مأرب له في الحياة، إلا أن ينال رضا الله، ومن ثم يتمني السعادة للآخرين، ومن علامات الإخلاص أيضا الجرادة في الحق، والغيرةُ من الكفر الشرك، والرغبةُ في استقامة الخلق على طاعة الله عز وجل، فهذه بعض علامات المخلصين، وهذا هو حال الإخلاص الذي هو شرط من شروط لا إله إلا الله، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أن أستغفرك وأتوب إليك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير