وفيه دليل على قبول خبر الواحد (1) لأن عمر قبل خبر عروة وحده فيما جهل من أمر دينه - وهذا منا على التنبيه فإن قبول خبر الواحد مستفيض عند الناس مستعمل لا على سبيل الحجة لأنا لا نقول إن خبر الواحد حجة في قبول خبر الواحد على من أنكره
وقد أفردنا للحجة في خبر الواحد كتابا والحمد لله وفيه ما كان عليه العلماء من صحبة الأمراء
وكان عمر بن عبد العزيز يصحبه جماعة من العلماء منهم رجاء بن حيوة وبن شهاب وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأخلق بالأمير إذا صحب العلماء أن يكون عدلا فاضلا
وروى حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال دخلت على عمر بن عبد
الاستذكار ج:1 ص:33
العزيز فسألني عن الحسن كما يسأل الرجل عن ولده فقال كيف طعمته (1) وهل رأيته يدخل على عدي بن أرطأة وأين مجلسه منه وهل رأيته يطعم عند عدي قلت نعم
وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب ((جامع العلم وفضله)) وما ينبغي في روايته وحمله
كانوا يقولون خير الأمراء من صحب العلماء وشر العلماء من صحب الأمراء إلا من قال بالحق وأمر بالمعروف وأعان الضعيف
1 (حديث ثان)
3 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن وقت صلاة الصبح قال فسكت عنه رسول الله حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر (2) ثم قال ((أين السائل عن وقت الصلاة)) قال ها أنذا يا رسول الله فقال ((ما بين هذين وقت)) (3)
لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد يتصل معناه من وجوه شتى من حديث جابر وحديث أبي موسى وحديث عبد الله بن عمر وحديث بريدة الأسلمي إلا أن فيها سؤال السائل لرسول الله عن مواقيت الصلاة جملة وإجابته فيها كلها على حسب ما ذكرناه من ذلك في ((التمهيد)) وفيها كلها في الصبح معنى حديث مالك هذا
وقد روي حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي - عليه السلام - عن صلاة الصبح (4) فذكر مثل مرسل عطاء بن يسار هذا سواء وقد ذكرنا حديث حميد من وجوه في التمهيد))
وبلغني أن سفيان بن عيينة حدث بهذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء عن يسار عن أنس بن مالك عن النبي عليه السلام والصحيح في حديث عطاء الإرسال كما رواه مالك وحديث حميد عن أنس متصل صحيح
الاستذكار ج:1 ص:34
في هذا الحديث من الفقه تأخير البيان عن وقت السؤال وقت آخر يجب فيه فعل ذلك
فأما تأخير البيان عن حين تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي وقته فغير جائز عند الجميع
وهذا باب طال فيه الكلام بين أهل النظر من أهل الفقه وقد أوضحناه في ((التمهيد))
وقد يكون البيان بالفعل - فيما سبيله العمل - أثبت في النفوس من القول دليل ذلك قول رسول الله ((ليس الخبر كالمعاينة)) (1) رواه بن عباس عن النبي لم يروه غيره
وفي هذا الحديث أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وأن آخر وقتها ممدود إلى آخر الإسفار على ما مضى في الحديث الذي قبل هذا
ولا خلاف بين علماء المسلمين في أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر على ما في هذا الحديث وظهوره للعين
والفجر هو أول بياض النهار الظاهر في الأفق الشرقي المستطير المنير المنتشر تسميه العرب الخيط الأبيض
قال الله عز وجل حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود البقرة 187 يريد بياض النهار من سواد الليل
وقال أبو دؤاد الإيادي
(فلما أضاءت لنا سدفة
ولاح من الصبح خيط أنارا (2))
وقال آخر
(قد كاد يبدو أو بدت تباشره
وسدف الليل البهيم ساتره (3))
وسمته أيضا الصديع ومنه قولهم انصدع الفجر
قال بشر بن أبي خازم أو عمرو بن معد يكرب
(به السرحان مفترشا يديه
كأن بياض لبته الصديع
الاستذكار ج:1 ص:35
وشبهه الشماخ بمفرق الرأس لمن فرق شعره فقال
إذا ما الليل كان الصبح فيه
أشق كمفرق الرأس الدهين (1
)
ويقولون للأمر الواضح هذا كفلق الصبح وتباشير الصبح وكانبلاج الفجر
وقد زدنا هذا بيانا في ((التمهيد))
وفي قوله ((ما بين هذين وقت)) دليل على سعة الوقت في الصبح وفي غيرها من الصلوات على ما قد أوضحنا فيما مضى من الأوقات
ونزع بقوله ((ما بين هذين وقت)) إلى جعل أول الوقت كآخره في الفضل
¥