وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه أو جهلا فذكر عن بن مسعود ومسروق وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا مريم 59 قالوا أخروها عن مواقيتها قالوا ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا وهؤلاء يقولون بكفر تارك الصلاة عمدا ولا يقولون بقتله إذا كان مقرى بها فكيف يحتج بهم على أن من قضى الصلاة فقد تاب من تضييعها قال الله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى طه 82
ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين الآدمي إلا بأدائه
ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحا والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
وذكر عن سليمان أنه قال الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله تعالى في المطففين
وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون الذي لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها
وذكر عن بن عمر أنه قال لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها
وكذلك نقول لا صلاة له كاملة كما لا صلاة لجار المسجد ولا إيمان لمن لا أمانة له
ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من سيئ عمله في تركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله والله أسأله العصمة والتوفيق
وأما فزع رسول الله فكان فزعا منه وإشفاقا وحزنا على ما فاته من صلاته في وقتها بالنوم الغالب عليه وحرصا على بلوغ الغاية من طاعة ربه ونحو ذلك كما فزع حين قام إلى صلاة الكسوف فزعا يجر رداءه وكان فزع أصحابه في انتباههم لأنهم لم يعرفوا حكم من نام عن صلاته في رفع المأثم عنه وإباحة القضاء له
ولذلك قال لهم رسول الله ((إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا
الاستذكار ج:1 ص:82
ويجوز أن يكون فزعهم لما رأوه من فزعه حين انتباهه إشفاقا وفزعا كفزعهم حين صلى بهم عبد الرحمن بن عوف الصبح ورسول الله مشتغل بطهوره ثم أتى فأدرك معهم ركعة فلما سمعوا تكبيرة فزعوا فلما قضى صلاته قال ((أحسنتم)) (1)
ولم يكن فزعه - عليه السلام - من عدو خافه كما زعم بعض من تكلم في معاني الموطأ
وفي هذا الحديث تخصيص قوله عليه السلام ((رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ)) وبيان أنه إنما رفع عنه الإثم في تأخير الصلاة لما يغلبه من النوم ولم يرفع عنه وجوب الإتيان بها إذا انتبه وذكرها وكذلك الناسي
وفي قوله عليه السلام ((حتى يستيقظ)) في النائم وفي الساهي فليصلها إذا ذكرها - بيان ما قلنا وبالله توفيقنا
وأما قول بلال ((أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك)) - يعني من النوم - فصنف من الاحتجاج لطيف يقول إذا كنت في منزلتك من الله قد غلبتك عينك وقبضت نفسك فأنا أحرى بذلك
وقد روى بن شهاب عن علي بن حسين قال ((دخل رسول الله على علي بن أبي طالب وفاطمة وهما نائمان فقال ألا تصلون ألا تصلون فقال علي يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا أراد أن يبعثها بعثها فأنصرف رسول الله - وهو يقرأ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا (2) الكهف
الاستذكار ج:1 ص:83
وفي قول علي إنما أنفسنا بيد الله وقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قوله عليه السلام إن الله قبض أرواحنا وقوله - عليه السلام - في حديث أبي جحيفة ((إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم مع قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الزمر 42 - دليل واضح على أن الروح والنفس شيء واحد
وقد أثبتنا بما بينا في النفس والروح عن السلف ومن بعدهم بما فيه شفاء في مرسل زيد بن أسلم من ((التمهيد)) والحمد لله وأما قوله ((فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا)) - فإنه أراد أثاروا جمالهم واقتادوا سيرا قليلا والإبل إذا كان عليها الأوقار فهي الرواحل
واختلف العلماء في معنى اقتيادهم وخروجهم من ذلك الوادي فقال أهل الحجاز إنما كان ذلك لأن الوقت قد كان خرج فلم يخف فوتا آخر وتشاءم بالموضع الذي نابهم فيه فقال هذا واد به شيطان)) كما قال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره الكهف 63
وقد روى معمر عن الزهري في هذا الحديث عن بن المسيب قال ((فاقتادوا رواحلهم وارتحلوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة))
¥