وذكر وكيع عن جعفر بن برقان عن الزهري ((أن النبي نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس فقال لأصحابه تزحزحوا عن المكان الذي أصابتكم فيه الغفلة فصلى ثم قال وأقم الصلاة لذكرى
وذلك كله نحو مما أشرنا إليه وليس من باب الطيرة وإنما هو من باب الكراهة
وأما أهل العراق فزعموا أن تأخير رسول الله لتلك الصلاة حتى خرج من الوادي إنما كان لأنه انتبه في حين طلوع الشمس
قالوا ومن سنته ألا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها
ومن حجتهم ما أنبأنا سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا بندار محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن جامع بن شداد قال سمعت عبد الرحمن بن علقمة قال سمعت بن مسعود يقول ((إن رسول الله قال من يكلأنا الليلة فقال بلال أنا فناموا حتى طلعت الشمس فقال افعلوا كما كنتم تفعلون ففعلنا قال ((كذلك فافعلوا ثم نام أو نسي))
واحتجوا بقوله عليه السلام ((إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب
الاستذكار ج:1 ص:84
وبالآثار التي رواها الصنابحي وغيره في النهي عن الصلاة في حين طلوع الشمس وحين غروبها
وحملوا ذلك على الفرائض وعلى النوافل وقالوا لما كان يوم الفطر والأضحى لا يؤدى فيهما صيام رمضان ولا نفل لنهي رسول الله - عن صيامهما - فكذلك هذه الأوقات لا تصلى فيها فريضة ولا نافلة لنهي رسول الله عن الصلاة فيها
وهذا يرد قوله - عليه السلام - ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر))
وروى أبو رافع عن أبي هريرة أن النبي - عليه السلام - أنه قال ((إذا أدركت ركعة من صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فصل إليها أخرى))
وقد ذكرناه بإسناده في ((التمهيد))
وهذه إباحة منه لصلاة الفريضة في حين طلوع الشمس وحين غروبها فدل ذلك على أن نهيه المذكور عن الصلاة في حين طلوع الشمس وحين غروبها لم يكن عن الفرائض وإنما أراد به التطوع والنافلة
وأما قوله ((فأمر بلالا فأقام الصلاة)) فيحتمل أنه لم يأمره بالأذان وإنما أمره بالإقامة فقط
وهذا مذهب مالك في الموطأ في الصلاة الفائتة أنها تقام بغير أذان وأنه لا يؤذن لصلاة فريضة إلا في وقتها
ويحتمل أن يكون أمره فأقام الصلاة بما تقام به من الأذان والإقامة
وقد روي عن النبي - عليه السلام - أنه حين نام عن صلاة الفجر في سفره أمر بلالا فأذن وأقام وفي بعضها أنه أمره فأقام ولم يذكر أذانا
واختلف الفقهاء في الأذان والإقامة للصلوات الفوائت
فقال مالك والأوزاعي والشافعي من فاتته صلاة أو صلوات حتى خرج وقتها أقام لكل صلاة إقامة إقامة ولم يؤذن
وقال الثوري ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة
وقال أبو حنيفة من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان وإقامة فإن لم يفعل فصلاته تامة
وقال محمد بن الحسن إذا فاتته صلوات فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل
الاستذكار ج:1 ص:85
النبي - عليه السلام - يوم الخندق فحسن وإن أذن وأقام لكل صلاة فحسن ولم يذكر خلافا بينه وبين أصحابه في ذلك
وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود يؤذن ويقيم لكل صلاة فاتته على ما روي عن النبي - عليه السلام - حين نام في سفره عن صلاة الفجر
قال أبو عمر كأنهم ذهبوا إلى أن ما ذكر الصحابة والرواة في أحاديث نوم النبي - عليه السلام - عن صلاة الفجر في سفره من الأذان مع الإقامة حجة على من لم يذكر إلا ما ذكرنا من احتمال لفظ الإقامة في التأويل
وقد ذكرنا الأحاديث بذلك في ((التمهيد)) من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة
منها ما أنبأناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن عن عمران بن حصين قال ((سرينا مع رسول الله ثم عرس بنا من آخر الليل قال فاستيقظنا وقد طلعت الشمس قال فجعل الرجل يثور إلى طهوره دهشا فازعا فقال النبي - عليه السلام - ((ارتحلوا قال فارتحلنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزلنا فقضينا من حوائجنا ثم أمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمر بلالا فأقام فصلى بنا النبي - عليه السلام - قال فقلنا يا رسول الله أفنقضيها لميقاتها من الغد فقال لا
¥