وأما الذين حملوا ذلك كله وما كان مثله على المجاز قالوا أما قوله سمعوا لها تغيظا وزفيرا تكاد تميز من الغيظ فهذا تعظيم من الله تعالى لشأنها
قالوا وقول النبي - عليه السلام - ((اشتكت النار إلى ربها)) من باب قول عنتزة
(وشكا إلي بعبرة وتحمحم (1)
)
وقول الآخر
(شكا إلي جملي طول السرى
صبرا جميلا فكلانا مبتلى (2))
وكقول الحارثي
(يريد الرمح صدر أبي براء
ويرغب عن دماء بني عقيل (3))
وقال غيره
(رب قوم غبروا (4) من عيشهم
في نعيم وسرور وغدق)
(سكت الدهر زمانا عنهم
ثم أبكاهم دما حين نطق)
وقال غيره
(وعظتك أجداث صمت
ونعتك أزمنة جفت (5))
(وتكلمت عن أوجه
تبلى وعن صور سبت)
(وأرتك قبرك في القبور
وأنت حي لم تمت)
وهذا كثير في أشعارهم وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وقالوا هذا كله على المجاز والتمثيل والمعنى في ذلك أنها لو كانت ممن تنطق لكان نطقها هذا وفعلها
وذكروا قول حسان بن ثابت حيث يقول
(لو أن اللوم ينسب كان عبدا
قبيح الوجه أعور من ثقيف (6))
وسئل أبو العباس أحمد بن يزيد النحوي عن قول الملك إن هذا أخي له تسع
الاستذكار ج:1 ص:101
وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة) ص 23 وهم الملائكة لا أزواج لهم فقال نحن طول النهار نفعل هذا فنقول ضرب زيد عمرا وإنما هذا تقدير كأن المعنى إذا وقع هذا فكيف الحكم فيه
وذكروا قول عدي بن زيد العبادي للنعمان بن المنذر أتدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك قال وما تقول قال تقول
رب ركب قد أناخوا حولنا
يشربون الخمر بالماء الزلال (1
)
ثم أضحوا لعب الدهر بهم
وكذاك الدهر حال بعد حال
وأحسن ما قيل في معنى هذا الحديث ما ورد عن الحسن البصري
قال أبو عمر القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصواب والله أعلم
وأحسن ما قيل في هذا المعنى ما فسره الحسن البصري قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فخفف عني قال فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين فما كان من برد يهلك شيئا فهو من زمهريرها وما كان من سموم يهلك شيئا فهو من حرها
فقوله من زمهرير يهلك شيئا وحر يهلك شيئا يفسر ما أشكل من ذلك لكل ذي فهم
ومعلوم أن نفسها في الشتاء غير الشتاء ونفسها في الصيف غير الصيف لقوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف
وقول الحسن من زمهريرها وحرها موجود في الأحاديث المسندة الصحاح
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فجعل لها نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون في الصيف من الحر من سمومها
والشدة والشدائد هو معنى قول الحسن والله أعلم
الاستذكار ج:1 ص:102
وفي هذا الحديث دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان بعد وهو قول جماعة أهل السنة أهل الفقه والحديث
وحجتهم من الآثار في ذلك حديث أنس عن النبي - عليه السلام - أنه قال لجبريل - عليه السلام - ((لم أر ميكائيل ضاحكا قط فقال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار))
وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وحديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - قال ((لما خلق الله الجنة دعا جبريل فأرسله إليها فقال انظر إلى الجنة وإلى ما أعددت لأهلها)) الحديث بطوله ذكرناه بإسناده وتمامه في التمهيد وأحاديث سواه في معناه والحمد لله
قال أبو عمر هذا آخر ما عمله مالك - رحمه الله - في الأوقات وقدم باب الوقوت على باب العمل في الوضوء ليدل على أن أول فرض الصلاة دخول وقتها وأن الوضوء لا يلزم لها إلا بعد دخول وقتها ولكنه مباح عمله قبل
وسقط ليحيى بن يحيى باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر من موضعه الذي هو فيه في الموطأ عند جماعة رواته وهو عندهم قبل هذا الباب وبعد باب النوم عن الصلاة فلما سقط له ها هنا استدركه فوضعه في آخر كتاب الصلاة بعد باب العمل في الدعاء وليس له هناك مدخل فرأينا أن نضعه في كتابنا هذا هنا لما ذكرناه وبالله توفيقنا
1 (8 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر)
¥