وحديث أبي أمامه عن النبي مثل حديث عمرو بن عبسة وكلها بأحسن سياقة في ((التمهيد))
وأجمع العلماء على أن نهية - عليه السلام - عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها صحيح غير منسوخ وأنه لم يعارضه شيء إلا اختلفوا في تأويله ومعناه
فقال علماء الحجاز مالك والشافعي وغيرهما معناه المنع من صلاة النافلة دون الفريضة ودون الصلاة على الجنازة وهذه جملة قولهم
وقال أهل العراق والكوفيون وغيرهم كل صلاة نافلة أو فريضة أو على جنازة فلا تصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند استوائها لأن الحديث لم يخص نافلة من فريضة إلا عصر يومه لقوله - عليه السلام ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (2)
ولهم حجج قد ذكرناها في صدر هذا الكتاب وقد مضى الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب
وقد ردوا ظاهر الحديث إذ قالوا ببعضه ودفعوا بتأويلهم بعضه لأن الحديث جمع الصبح والعصر وهم قالوا عصر يومه دون صبح يومه وزعموا أن مدرك ركعة من العصر يخرج إلى وقت تباح فيه الصلاة وهو بعد المغرب ومدرك ركعة من الصبح يخرج من الثانية إلى الوقت المنهي عنه وهو الطلوع
وهذا الحكم لا برهان لصاحبه فيه ولا حجة له فيه لأن من ذكرنا قد صلى ركعة من العصر والمغرب وفي قوله - عليه السلام - ((من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) (3) مع قوله - عليه السلام ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (4) أوضح دليل على أن نهيه عليه السلام كان عن الصلاة عند الطلوع وعند الغروب لم يقصد به إلى الفريضة وإنما قصد به إلى ما عدا الفرائض من الصلوات
الاستذكار ج:1 ص:106
وعلى هذا التأويل تكون الأحاديث مستعملة كلها في هذا الباب فلا يرد بعضها ببعض لأن علينا في الكل الاستعمال ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ولا يقطع بنسخ شيء من القرآن إلا بدليل لا معارض له أو إجماع
وأما اختلاف العلماء في الصلاة عند الاستواء فإن مالكا وأصحابه لا بأس بالصلاة عندهم نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم جمعة ولا غيره ولا أعرف هذا النهي وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يسجدون ويصلون نصف النهار
وهذا ما حكى عنه بن القاسم وغيره أنه لم يعرف النهي في ذلك وفي موطئه الذي قرئ عليه إلى أن مات - النهي عن الصلاة إذا استوت الشمس في حديث الصنابحي لقوله فيه ((فإذا استوت قارنها)) ونهى رسول الله عن الصلاة في تلك الساعات
وقد روي عن مالك أنه قال لا أكره التطوع نصف النهار ولا أحبه ويدل قوله هذا على أنه لم يصح عنده حديث زيد بن أسلم هذا عن عطاء بن يسار عن الصنابحي في ذلك والله أعلم
وما أدري ما هذا وهو يوجب العمل بمراسيل الثقات ورجال هذا الحديث ثقات وأحسبه مال في ذلك إلى حديثه عن بن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي ((أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر بن الخطاب)) ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال بدليل حديث طنفسة عقيل وقد مضى ذلك في صدر الكتاب
فإذا كان خروج عمر بعد الزوال وكانت صلاتهم إلى خروجه فقد كانوا يصلون وقت استواء الشمس وإلى هذا ذهب مالك لأنه عمل معمول به في المدينة لا ينكره منكر
ومثل هذا العمل عنده أقوى من خبر الواحد فلذلك صار إليه وعول عليه
ويوم الجمعة وغير الجمعة عنده سواء لأن الفرق بينهما لم يصح عنده في أثر ولا نظر
وممن رخص أيضا في الصلاة نصف النهار الحسن البصري وطاوس ورواية عن الأوزاعي وقد روي عن طاوس تخصيص يوم الجمعة
وقال أبو يوسف والشافعي وأصحابه لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وهي أيضا رواية عن الأوزاعي وأهل الشام
وحجة الشافعي ومن قال بقوله ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة ((أن رسول الله
الاستذكار ج:1 ص:107
نهى عن الصلاة نصف النهار إلى أن تزول الشمس إلا يوم الجمعة))
قال أبو عمر إبراهيم بن محمد هذا هو بن أبي يحيى وإسحاق هذا هو بن أبي فروة وهما متروكان ليس فيما ينقلانه ويرويانه حجة
¥