وأما الخالق المصور فإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد، كما يقال لمن قدر في نفسه شيئاً: إنه خلقه.
وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد، في قوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} (1) قلت: ووجه ذلك أن الخالقين جمع مفضل عليهم بإضافة اسم التفضيل، ومن المعلوم أنه لا ثم سوى خالق أو مخلوق فإذا كان الخالق أحسن الخالقين كان المفضل عليهم مخلوقين وسماهم الله هنا خالقين. فدل على صحة إطلاق الخالق على المخلوق.
قلت: ومن ذلك قوله تعالى: {وتخلقون إفكاً} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث القدسي: إن الله قال: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي " (3) وقوله في الحديث الآخر: يقال للمصورين: " أحيوا ما خلقتم " (4).
هذا وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الكتاب المذكور ص 121 – 122 عن الإسفرائيني كلاماً، قال ابن القيم بعده: قلت: مراده أي الإسفرائيني أن إطلاق لفظ الخلق لا يجوز إلا على الله وحده. أ. هـ. فتأمل ما في قوله: إطلاق لفظ الخلق فإنه يوافق كلامه هنا والله أعلم.
فائدة: < o:p>
مراتب القضاء والقدر أربع: من شفاء العليل ص 29 ما ملخصه.
الأولى: علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها.
الثانية: كتابته لها قبل كونها.
الثالثة: مشيئته لها.
الرابعة: خلقه لها. أ. هـ.
فأما المرتبة الأولى: فقد اتفقت عليها جميع الرسل من أولهم إلى خاتمهم، وهذه المرتبة كان ينكرها طائفتان:
الأولى: من ينفي علمه بالجزئيات، وهم الفلاسفة.
الثانية: غلاة القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم أعمال العباد حتى يعملوها، ولم يكتبها أو يقدرها فضلاً عن أن يخلقها.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، وهي أن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وهذه المرتبة هي مرتبة التقدير والتقادير خمسة أنواع:
النوع الأول: التقدير العام، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ الذي كان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء قال شيخ الإسلام رحمه الله: علم الله تعالى السابق ثابت لا يتغير وأما الصحف التي بأيدي الملائكة فيلحقها المحو والإثبات وأما اللوح المحفوظ فهل يلحقه ذلك؟ على قولين:
النوع الثاني: تقدير أرزاق العباد وآجالهم وأعمالهم قبل أن يخلقهم.
النوع الثالث: تقدير ما ذكر على الجنين في بطن أمه.
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل ص 22: فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا ففي حديث ابن مسعود أنه بعد مائة وعشرين يوماً من حصول النطفة في الرحم (1) وحديث أنس غير مؤقت (2) وحديث حذيفة بن أسيد وقِّت فيه التقدير بأربعين يوماً، وفي لفظ بأربعين ليلة، وفي لفظ باثنتين وأربعين ليلة، وفي لفظ بثلاث وأربعين ليلة. وهو حديث تفرد به مسلم (3).
ثم قال في وجه الجمع بينهما: إن هناك تقديرين:
أحدهما: سابق لنفخ الروح وهو المتعلق بشأن النطفة إذا بدأت بالتخليق وهو العلق.
والثاني: حين نفخ الروح: وهو المتعلق بشأنها حين تتعلق بالجسد. < o:p>
أي فصار التقدير معلقاً بمبدأ الجسد ومبدأ الروح.
النوع الرابع: التقدير السنوي، وهو ما يكون ليلة القدر.
النوع الخامس: التقدير اليومي.
فالتقديرات خمسة: يومي، وحولي، وعمري، عند تعلق النفس بالبدن وعند تخليقه، وتقدير قبل وجود ابن آدم بعد خلق السموات والأرض، وتقدير قبل خلق السموات والأرض، وكل هذه تفاصيل للتقدير السابق.
المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة، وهي عموم مشيئة الله تعالى.
وقد نفى المشيئة إطلاقاً طوائف من الفلاسفة وأتباعهم، ونفاها القدرية المعتزلة بالنسبة إلى أفعال العباد فقط.
المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق وهي عموم خلق الله لكل ما سواه، وقد سبق الكلام عليها.
فائدة:
الرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله واجب مطلقاً، لأنه من تمام الرضا بالله رباً.
وأما القضاء الذي هو المقضي فالرضا به مختلف.
فإن كان المقضي دينياً وجب الرضا به مطلقاً.
وإن كان كونياً فإما أن يكون نعماً أو نقماً أو طاعات أو معاصي.
فالنعم يجب الرضا بها لأنه من تمام شكرها، وشكرها واجب.
وأما النقم كالفقر والمرض ونحوهما، فالرضا بها مستحب عند الجمهور وقيل بوجوبه.
¥