تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرابع: أنه قال (خلق لكم ما في الأرض) فعمم ولم يفصل، أي لم يقل إن كان كذا فهو حلال وإن كان كذا فهو حرام، وقد تقرر في الأصول والقواعد أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال, وهذا العموم يجب أن يبقى على عمومه ولا يخص إلا بدليل.

الخامس: أنه أيّدَ هذا هذه العموم الثلاث بقوله (جميعاً) وقد تقرر في القواعد أن (جميع) من أقوى صيغ العموم، وهذا لرفع توهم احتمال التخصيص ببعض الأفراد وهذا كقوله تعالى ?فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ? فهذه أربعة عمومات في هذه الآية كلها تفيد أن ما على الأرض وما فيها فهو حلال لنا.

السادس: أن الله تعالى قال (خلق لكم) وهذا يقتضي أنه حلال وطاهر إذ الحرام والنجس ليس لنا، فلما نص الله تعالى على أنه خلق ما في الأرض لنا اقتضى ذلك حليته وطهارته.

السابع: أن هذه الآية سيقت مساق الامتنان والتذكير بالنعم، وربنا جل وعلا لا يمتن على عباده بما هو حرام عليهم لا يستطيعون الانتفاع به، بل لا يمتن عليهم إلا بما هو حلال وطاهر يقدرون على الانتفاع به متى ما أرادوا ذلك، وهذا هو حقيقة الامتنان، فلما كانت هذه الآية في مقام الامتنان وأن من جملة ما امتن الله به علينا أن خلق لنا ما في الأرض علمنا أن ما في هذه الأرض حلال وطاهر وأن الانتفاع به جائز على الوجه المشروع وهذا يدل على أن الأصل في الأشياء الحل والطهارة. فهذه الأوجه السبعة المستنبطة من هذه الآية كلها تفيد صحة ذلك الأصل الذي قررناه لك والله أعلم.

ومن الأدلة: قوله تعالى ?وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ? ومقتضى تسخيره لنا أن يكون حلالاً طاهراً لأن النجس والحرام ليسا بمسخرين لنا ويقال في سائر أوجه الاستدلال بهذه الآية كما قلناه في أوجه الاستدلال في الآية قبلها.

ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى ?قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق? فلما أنكر الله تعالى على من حرم شيئاً من هذه الزينة علمنا أن الأصل فيه الحل، إذ لو كان الأصل فيها التحريم لما كان للإنكار هنا فائدة، لكن لما كان الأصل فيها الحل أنكر الله تعالى على من ادعى تحريم شيء منها بلا برهان وقوله (زينة الله) مفرد مضاف لأن قوله (زينة) مفرد والاسم الأحسن مضاف إليه وقد تقرر في القواعد أن المفرد المضاف يعم، فيدخل في ذلك كل زينة سواءً أكانت من الزينة المأكولة أو المشروبة أو المفروشة أو المركوبة أو المعلقة أو غير ذلك، كل ما هو من الزينة فإنه حلال طاهر، وقد وصف الله تعالى هذه الزينة بقوله (التي أخرج لعباده) وهذه اللام كما ذكرنا سابقاً لام الاختصاص والاستحباب، لأن ما كان حراماً أو نجساً فليس لعباده أن ينتفعوا به فدل ذلك على أن الأصل في الأشياء الحل والطهارة وجواز الانتفاع بكل أنواع الانتفاع إلا ما دل الدليل الشرعي الصحيح الصريح على المنع منه فإنه يخرج من العموم بخصوصه فقط ويبقى ما عداه على أصل الحل وهذا واضح.

ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى ?وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ? قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في بيان وجه الاستدلال من هذه الآية على الأصل المتقرر: (دلت الآية من وجهين أحدهما: أنه وبخهم وعنفهم على ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه قبل أن يحله باسمه الخاص فلو لم تكن الأشياء مطلقة مباحة لم يلحقهم ذم ولا توبيخ إذ لو كان حكمها مجهولاً أو كانت محظورة لم يكن ذلك, الوجه الثاني: أنه قال ?وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ? والتفصيل التبيين فبين أنه بين المحرمات، فما لم يبين تحريمه ليس بمحرم وما ليس بمحرم فهو حلال، إذ ليس إلا حلال أو حرام) ا. هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير